الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
ما جاء في الست من شوال

ما جاء في الست من شوال
روى الإمام مسلم في صحيحه عن سعد بن سعيد بن قيس عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر )
هذا الحديث انفرد به سعد بن سعيد، وهو ممن لا يقوى على الانفراد بالمخالفة فيما يَعُمُّ ويُعلم، فمن أجل أنَّه لم يثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل صيامها برمضان، ولا أحد من أصحابه ولا من التابعين، ولم يُصاحبه عملُ أهل المدينة، والعلماءُ متوافرون في المدينة يومَها، فرأى الإمامُ أبو حنيفة ومالكٌ رحمه الله أن تَرْكَ العمل بوصْل الست برمضان يُقوِّي أنَّ المقصود بِذِكْرِ شوال التمثيل، وليس مقصود الحديث تعيين شوال بالصيام، وحين كانت الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان يعدل ثلاثمِائة يومٍ، وستة أيام تعدل ستين يوماً، فكان ذلك بمنزلة صيام السَّنة كلِّها، يستوي في ذلك أن تُصام السِّتُّ في شوال أو في غيره، فالكراهة ليست في صيامها، وإنما في وَصْلِها بشوال .
قال الإمام مالك في الموطأ: ( إني لم أرَ أحدا مِن أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأنْ يُلحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة)
وقال الحافظ أبو الوليد الباجي: ( إنَّ صوم هذه الستة الأيام بعد الفطر لم تكن من الأيام التي كان السلف يتعمدون صومها، وقد كره ذلك مالك وغيرُه من العلماء، وقد أباحه جماعة من الناس ولم يرَوا به بأسا، وإنما كره ذلك مالكٌ لما خاف من إلحاق عوام الناس ذلك برمضان، وأنْ لا يُـميِّزوا بينها وبينه، حتى يعتقدوا جميع ذلك فرضا، والأصل في صيام هذه الأيام الستة ما رواه سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. وسعد بن سعيد هذا ممن لا يحتمل الانفراد بمثل هذا، فلما ورد الحديث على مثل هذا، ووجد مالكٌ علماءَ المدينة منكرين العمل بهذا، احتاط بتَرْكِه، لئلا يكون سببا لما قاله)
وقال أبو العباس القرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم: (الذي كرهه هو وأهلُ العلم الذين أشار إليهم، إنَّما هو أنْ تُوْصَل تلك الأيام الستة بيوم الفطر، لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقيَّةٌ مِن صوم رمضان، وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيَبْعُدُ التَّوهُّم، وينقطع ذلك التخيُّل) وقد وقع ذلك قديما وحديثاً مِن العوام، حتى أنَّ بعضهم يُسمِّي ثامن يومٍ مِن شوال: “عيدُ الأبرار” ويُؤكِّد النَّهيَ عن وَصْلها برمضان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا ) والنهي معلَّلٌ بألا يختلط بصوم رمضان .