الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
النُّشوز

الزواج ليس عقداً ينتهي باكتمال الصفقة، كما هو الشأن في سائر العقود، وإنما الزواجُ توافقٌ بين طرفين، يتطلَّع كلُّ واحد منهما من الآخر، إلى استدامة الصحبة والودِّ والأُلْفة وحُسْن العشرة، فيسعى كلٌّ منهما لفعل كلِّ ما من شأنه إدامة الصحبة، ليسكن بعضهم إلى بعض من غير قلقٍ ولا تخوُّفٍ من انتهاء الأَمَد، ومن غير ترقُّبٍ لما يَعقب انفصالِهما، فهي رابطةٌ تتنافَى مع التأقيت، فتجري على سبيل الدوام والاستمرار، فالتَّأبيدُ أصلٌ في رابطة الزوجية، فقِوامُها رغبةُ الزوجين في اقترانٍ دائم، لتحقيق مقاصد هذه الرابطة مثل حُسْن الصُّحبة، ومثل التناسل، وهي رابطةٌ سمِّيَتْ عقداً لأنها أشبهت صورةَ العقود من حيث وجود الإيجاب والقبول، غير أنها تتنافى مع العقود من حيث أنها مبنيَّة على المكارمة والمسامحة، بخلاف عقود المعاملات التي مبناها المغالبة والمكايسة، ولهذا كان الزواج مقصوداً شريفاً وميثاقاً غليظاً، كما قال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) وخلال هذه الصحبة يؤدِّي كلُّ واحد من الزوجين الحقوق الواجبة عليه لصاحبه،لأنَّ هذا الميثاق يتضمنُ حقوقا لكلٍّ منهما على صاحبه، وواجبات عليه لصاحبه، فأداء الحقوق ضمانٌ لحصول الأُلْفة وحُسْن العشرة بينهما، كما أنَّ الإخلال بها يُضعِف المودَّة .
فإن حصل شيءٌ من التقصير من أحدهما عُدَّ هذا التقصيرُ نشوزاً، فالنشوز صدورُ فعْلٍ لا يجوز شرعاً، إما بتقصيرٍ في حقٍّ من حقوق الله تعالى، أو بالتقصير في حقٍّ من الحقوق الزوجية، فحقيقة النشوز الخروج عن قانون الزوجية.
والنشوز يثبت بالشهادة من عدلين فأكثر بمعاينتهم إياه لمجاورتهم للزوجين أو لقرابتهم منهما ونحو ذلك ، ويثبت كذلك بشهادة السماع، مثل أن يستفيض الأمر على ألسنة الجيران من النساء والخدم وغيرهما بأن فلاناً يضر بزوجة فلانة بضرب أو شتم في غير حق .
وللنشوز صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون النشوز من الزوج .
مثل أنْ يُخلَّ بحقوق الله، كترْك الصلاة أوترك صيام رمضان، أو ترك الغسل من الجنابة، ومثل أنْ يُخلَّ بحقوق الزوجة، فيمنعها من التجارة بمالها، أوكان يضربها، أويَترك الكلام معها، أويهجرها، أويشتمها، أويشتم أبيها، فهذا الضرر نشوزٌ مِن الزوج، فهذا نشوز يُبيح للزوجة أمران :
أولهما: طلب الطلاق منه وتأديبه .
فلها، إنْ شاءت، أنْ ترفع أمرها إلى القضاء، وتُثبتْ أنَّ زوجَها تعدَّى عليها، وألْحَق بها ضرراً، بضربها أو سبِّها، أو غير ذلك من صور التعدي، فيأمره القاضي أولا بالطلاق، فإن امتنعَ الزوجُ عن الطلاق، صار الطلاقُ حقَّاً للقاضي، فيكون للقاضي إنْ شاءَ أنْ يطلقها بنفسه، وله إنْ شاءَ أنْ يأمرها بتطليقه، طلقة واحدة، وتكون بائنة بينونة صغرى، طلاقا بلا مالٍ يأخذه منها، لأنه ظلمها، بل إنها إذا كانت قد طلبتْ منه الطلاق، ودفعتْ له مالا، مقابل أنْ يُطلِّقها، فخشيَ أنْ ترفع عليه دعوى بالضرر، وتستردَّ المال، فأسقطتْ حقَّها في المطالبة بالمال، قائلةً: إنْ كانت لي بيِّنةٌ بالضرر فقد أسقطْتُها، وأشْهَدَتْ على ذلك، لَمْ يسقط حقَّها، فلها أنْ ترفع عليه دعوى وتسترد منه المال الذي دفعتْه له .
أما إنْ عجزتْ عن إثبات دعواها، فعلى القاضى أنْ يصير إلى التحكيم .
ولها طلب تأديبه والاقتصاص منه، فيؤدبه القاضي على ظلمه لها، فإن كان الضرر الحاصل منه يوجب القصاص، كضربه لها، وطلبت القصاص، فيقتصُّ لها القاضي منه .
ثانيهما: البقاء معه، رجاءً في صلاح حاله
فإن كانت راضيةً به، راغبةً في البقاء معه، ترجو صلاح حاله، فلها أنْ تسعَى في إصلاح حاله برفع أمْره للقاضي، فإذا ثبت عند القاضي أنه ناشزٌ، فعليه أنْ يؤدِّبه بما يراه، ليَصلح حالُه، قال أبو عبد الله الخَرشي (ت 1101 هـ): (ويتولَّى الحاكمُ زَجْرَه باجتهاده، كما كان يتولى الزوجُ زجرَها حين كان الضرر منها) فيتولَّى القاضي إصلاحه بثلاثة وسائل، وهي الوعظ ثم الهجر ثم الضرب .
فيبدأ القاضي بنُصح الزوج وتخويفه من الله، فالنُّصحُ مشروعٌ لمن نشز، وكذلك لمن خِيف نشوزه، فإذا نفع معه النُّصحُ واستقام حالُه فبها ونعمت، أما إذا لم يَستقم حالُه، واستمرَّ فيما هو عليه مِن إضرار بالزوجة، وغلَبَ على ظنِّ القاضي أن الوعظ لن يكفي لزجْره، جاز للقاضي أن ينتقل للوسيلة الثانية، وهي الهجر .
فعلى القاضي أنْ يأْمُرَ الزوجةَ أنْ تَهجرَ زوجها، بتَرْك المبيت معه، إلى أنْ ينكفَّ عن نشوزه، ولا ينبغي أنْ يزيد هَجْرُها له عن شهر، قال أبو عبد الله القرطبي:( وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أسرَّ إلى حفصة، فأفْشَتْه إلى عائشة) (1) .
فإذا أدَّى هَجْرُها لَهُ إلى صلاح حاله فالحمد لله، أما إذا لم ينفع معه الهجر، وغلب على ظنِّ القاضي أنَّ استمرار الهجر لن ينفع معه، جاز للقاضي أنْ ينتقل للوسيلة الثالثة وهي الضرب .
غير أنَّ المصير للضرب مشروطٌ بأن يغلب على ظنِّ القاضي أن هذا الزوج ممن يمكن أن يتَّعظ بالضرب، فالمصير للضرب خلاف الأصل، فكان مشروطاً بأنْ يُعلم غالباً أنه سيؤدِّي إلى صلاح حاله، فإذا غلب على ظنِّ القاضي أنَّ الضرب لن يُصلحَه، لَمْ يَجُزْ للقاضي أنْ يضربه، إذْ لا معنى للضرب عندئذ إلا الضرر المحض، فيجب على القاضي هنا أنْ يكتفي بالوعْظ والهجر، ثم يُصار إلى التحكيم .
الصورة الثانية: أن يكون النشوز من الزوجة .
مثل أنْ تُخلَّ الزوجةُ بحقوق الله، كترْك الصلاة أوترك صيام رمضان، أو ترك الغُسل من الجنابة، ومثل أنْ تُخلَّ بحقوق الزوج، فتخرج بدون إذنه، أوحين تشتم زوجها أو تضربه أو تهجره، فهذا الضرر نشوزٌ مِن الزوجة، يُبيح للزوج أمران :
أولهما: تطليقها .
فله أنْ يطلقها إنْ شاء، وله أن يطالبها بتعويضٍ بشيءٍ من المال، مقابل الضرر الذي حصل له، لأنها ظلمتْه بخروجها عن قانون الزوجية، لعموم قوله تعالى: ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) .
ثانيهما: البقاء معها، رجاءً في صلاح حالها
فإن كان راضٍ بها، راغبٌ في البقاء معها، يرجو صلاح حالها، فله أنْ يسعَى في إصلاح حالها بنفسه، قال تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) قال أبو عبد الله القرطبي (ت671هـ):(وولَّى الأزواجَ ذلك دون الأئمة، وجعله لهم، دون القضاة، ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء) (2)
قال أبو العبَّاس القرطبي (ت656هـ) في المفهم:( وفيه إباحةُ تأديبِ الرجل زوجته على وَجْهِ الرفق) (3)
وقال أبو العباس القسطلاني(ت: 923هـ):(وينبغي أن يتولى تأديبَها بنفسه، ولا يرفعها إلى القاضي ليؤدِّبها، لما فيه من المشقة والعار والتنفير للقلوب) (4) .
فيعالج زوجته الناشزَ، بنفس الوسائل الثلاث التي يُعالج بها القاضي الزوجَ الناشز، وبنفس التدرُّج، قال الحافظ أبوبكر ابن العربي:(من أحسن ما سمعت في تفسير هذه الآية قول سعيد بن جبير، قال: يَعِظُهَا، فإن هي قَبِلَتْ، وإلا هجرها، فإن هي قَبِلَتْ، وإلا ضربها، فإنْ هي قَبِلَتْ، وإلا بعث حَكَمًا مِن أهلها وحكما من أهله، فينظُران مِمَّن الضَّرر، وعند ذلك يكون الخلع) (5) .
فيبدأُ بِنُصحها وتخويفها من الله، ويُعرِّفها بحُسْن العشرة معه، والوفاء بحقِّه في الصُّحبة، فالنُّصحُ مشروعٌ لمن نشزتْ ولمن خِيف نشوزها، فإذا نفع معها النصحُ، واستقام حالُها فبها ونعمت، أما إذا لم يَستقم حالُها، واستمرَّتْ فيما هي عليه مِن إضرار بالزوج، وغلَبَ على ظنِّ الزوج أن الوعظ لن يكفي لزجْرها، جاز لَهُ أن ينتقل للوسيلة الثانية، وهي الهجر .
والهجر مشروعٌ لمن نشزتْ، وليس لمن خيف نشوزها، فلا يجوز للزوج هجرها بدعْوَى خَوْف نشوزها، فإذا نشزتْ جاز له هجْرُها، بترْك المبيت معها في الفراش، وهو معنى قوله تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) إذْ لا يجوز له أنْ يهجرها بالخروج من البيت، قال أبو عبد الله القرطبي: (فإنَّ الزوجَ إذا أعرض عن فراشها، فإنْ كانت مُحبَّةً للزوج، فذلك يَشقُّ عليها، فترجع للصلاح، وإن كانت مُبغضةً، فيَظهر النشوزُ منها، فيَتبيَّنُ أنَّ النُّشوزَ مِن قبلها) (6) .
ويُلاحَظ أنَّ الهجر لا يجوز أنْ يصل إلى حدِّ إلحاق الضرر بها، مثل أنْ يزيد على شهر، فهذا إضرارٌ بها .
فإذا أدَّى هَجْرُه لَها إلى صلاح حالها فالحمد لله، أما إذا لم ينفع معها الهجر، وغلب على ظنِّ القاضي أنَّ استمرار الهجر لن ينفع معها، جاز للقاضي أنْ ينتقل للوسيلة الثالثة وهي الضرب على وجه الأدب، ضرباً خفيفاً، لأنه أمرٌ تستأهل عليه الأدب، فليس في الضرب الخفيف إساءةٌ لها، فيُؤدِّبُ الزوجُ زوجتَه كما يُؤدِّبُ القاضي الزوجَ، بخلاف الضرب المبرِّح فهو اعتداءٌ على الزوجة، لنهْي الله تعالى عن الضرب المبرِّح، بل إنَّ الزوج لو تيقَّنَ أنها لن تترك النشوز إلا بالضرب المبرِّح، لَمْ يَجُز له ضرْبُها .
غير أنَّ المصير للضرب مشروطٌ بأن يغلب على ظنِّ الزوج أنها ممن يمكن أن تتَّعظ بالضرب، فالمصير للضرب خلاف الأصل، فكان مشروطاً بأنْ يُعلم غالباً أنه سيؤدِّي إلى صلاح حالها .
وحيث إنَّ الزوجَ قد يدفعه الغضب، بسبب نشوزها وإساءتها إليه، إلى الانتصار لنفسه والتَّشفِّي منها، فيتجاوز الحدَّ في الأدب، فربَّما شتمها وضربها وأَسْمَعَها أفحش الكلام، ناسب أنْ يُنبَّه إلى أنَّ الذي أُبيح له هو ضرْبُ الأدب، قال أبوبكر بن العربي: (من غير تعدٍّ ولا حَيفٍ، ولا عملٍ بحُكْم الغضب، ولا في سبيل التَّشفِّي والانتقام) (7)
فإذا غلب على ظنِّ زوجها أنَّ الضرب لن يُصلحَها، لَمْ يَجُزْ له أنْ يضربها، إذْ لا معنى للضرب عندئذ إلا الضرر المحض، فيجب على الزوج هنا أنْ يكتفي بالوعْظ والهجر، قال الشيخ خليل:(لأن المقصود صلاح الحال، والوسيلة عند ظن عدم مقصدها لا تُشرع) ثم يُصار إلى التحكيم .
ما هو الضرب المباح
وقد نبه الفقهاءُ على أن الضرب المقصود هو ضربُ الأدب، أي ضرباً على سبيل التأديب، بيده أو بمنديل ملفوف، ونحو ذلك، فشرْطُه أن يكون خفيفاً غير مبرِّح، أي لا يظهر له أثرٌ على البدن، فحين سُئل ابن عباس رضي الله عنه: ما الضرب غير المبرِّح ؟ قال: (بالسِّواك ونحوه) قال الفخر الرازي:(ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف أو بيده، ولا يضربها بالسياط ولا بالعصا، وبالجملة فالتخفيف مراعَى في هذا الباب على أبلغ الوجوه) (8)

ويجب أنْ يجتنب الوجه، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبوداوود: (إذا ضرب أحدكم، فلْيتَّقِ الوجه) قال القاضي عياض: (إكراماً له، ولأن فيه محاسن الإنسان وأعضائه الرئيسية، ولأن التشويه والآثار به أقبحُ منها فى غيره وأَشنع) (9)
ولا يجوز تكرار الضرب، وإنْ كان خفيفاً، لأنه يصير بمنزلة الضرب المبرِّح، قال ابن رشد في البيان والتحصيل:(وأما الضرب المفرط فهو من الإساءة، وكذلك إن ضربها مراراً، وإن لم يكن ضربا مفرطا) (11)
ونبَّهوا كذلك على أنَّ الضرب خلافُ الأولى، فقد روى الإمام مالكٌ في الموطأ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم استؤذن في ضرب النساء ، فقال فيما رواه البيهقي: (اضربوا، ولن يضربَ خياركم) قال الحافظ أبوبكر بن العربي: (فأباحَ ونَدَبَ إلى التَّرْك، وإنَّ في الهَجْر لَغاية الأدب) (11)
وقالت أمُّنا عائشةُ رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما) (12)
ولهذا قال عطاء: (لا يضربها، وإن أمرها ونهاها فلم تُطِعْه، ولكنْ يَغضبُ عليها) قال ابن العربي: (هذا من فقه عطاء ، فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب ههنا أمر إباحة ، ووقف على الكراهية من طريق أخرى) (13)
فالوقوف عند وسيلة الهَجْرِ، بعدم التأديب بالضرب هو الأفضل على كل حال، قال ابن العربي: (مِن النساء، بل ومِن الرجال مَن لا يُقيمه إلا الأدب، وإنَّ في الهَجْرِ لَغَايَةَ الأَدب) (14) .
وقد نبَّه شيخ الإسلام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله إلى أنَّ المصلحة قد تدعوا إلى مَنْع الأزواج مِن تأديب نسائهم بالضرب، فقال: (يجوز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها، ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع) (15).
1 تفسير القرطبي: 172/5 .
2 تفسير القرطبي:5/173 .
3 المفهم على صحيح مسلم: 83/10 .
4 إرشاد الساري: 102/8 .
5 أحكام القرآن لابن العربي: 341/2 .
6 تفسير القرطبي: 171/5 .
7 عارضة الأحوذي: 283/1 .
8 مفاتيح الغيب: 72/10 .
9 إكمال المعلم: 429/5 .
10 البيان والتحصيل: 73/5 .
11 أحكام القرآن: 342/2 .
12 رواه مسلم في باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح، أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، ورواه البخاري بلفظ آخر في باب ما يكره من ضرب النساء .
13 أحكام القرآن: 341/2 .
14 أحكام القرآن: 341/2 .
15 التحرير والتنوير:44/5 .


قيس بن محمد آل الشيخ مبارك

التحديث خطوة مهمة في سبيل الارتقاء بمحتوى المقررات بشكل أفضل وأنفع تطوير المناهج في الجامعات.. «الضرورة تتطلب ذلك»

قبل سنوات كان من الصعب جداً أن توجه الملاحظات على المناهج في التعليم العام أو العالي حول مسألة وجود بعض الاختلالات التي تسبب التطرف، وتدفع إلى الغلو على اختلافه من خلال التفاسير والأحكام الاجتهادية، إلاّ أن الجامعات اليوم تواجه مسؤولية تحديث وتطوير المناهج بشكل يجعل منها تقوم على مزيد من الرؤى التي تضع التفسير في موضعه الحقيقي من السماحة والاستيعاب لجميع الآراء والأحكام من منطلق القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو الطريق القائم على الوسطية والاعتدال والسماحة والرحمة.

وعلى الرغم من أن تحديث وتطوير المناهج وهي المهمة التي أوكلتها وزارة التعليم إلى الجامعات خطوة مهمة ستفتح الباب على مصراعيه لتنقيح علوم مضى وقت طويل على ثبات مسارها، إلاّ أن البعض من الأكاديميين والمفتين وخبراء الفتوى الشرعية وجدوا أن المناهج السابقة اعتمدت على الاجتهادات التي جعلت منها حالة قطعية لا تقبل الحياد، في حين نظر البعض إلى التحديث على أنه خطوة مهمة، لكن ذلك لا يؤكد أن المناهج في التعليم هي المتهم الوحيد في التطرف والإرهاب.

تقريب المبادئ

وقال د. قيس آل مبارك - عضو سابق في هيئة كبار العلماء -: إن الجامعات اعتمدت مقررات الثقافة الإسلامية، من أجل أن تبصِّرَ الطالب بحقائق الإسلام، فيكون على بيِّنةٍ وقناعةٍ تامَّة بأن دين الإسلام دينُ سماحةٍ ووسطيَّةٍ واعتدال، وأنه ينبذ الغلظة والجفاء، مضيفاً أنه يُلاحظ المراقبُ شدَّةَ المعاناة التي تعيشها الأمةُ الإسلامية، ويزيدها شدَّةً هذا الاستقطاب الحاد الذي يتنافَى مع الأخوَّة، فغياب الحكمة في التعامل بين أبناء المجتمع نذيرٌ بفكِّ بُنيان التماسك الاجتماعي، ومفتاحٌ لباب الفتنة، من أجل هذا فإنَّ من أهمِّ واجبات وزارة التعليم، تقريب المبادئ الإسلامية لأولادنا وتبسيطها لهم، والارتقاء بمستوى الوَعْي لديهم، ليقفوا على سماحة دينهم ووسطيَّته، كما قال سبحانه: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»، ليكونوا بمنْأَى عن الغلوِّ الذي حذَّر اللهُ منه أهل الكتاب، بقوله: «قُل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ»، بل إنَّ هذا من أوجب الواجبات على المختصين في العلوم الشرعية مِن خطباء وقضاة وأساتذة في التعليم العام والجامعي، فالجهل يورد الشبابَ المهالك، مشيراً إلى أنه علينا أن نبيِّن لهم أننا نعيش في سفينة واحدة، وأنَّ علينا ألاّ يعادي بعضنا بعضاً لاختلافٍ في مسألةٍ اجتهادية، فالمنهج الوسطي منهجٌ نبويٌّ يدفعنا إلى أنْ يقبلَ بعضُنا بعضاً، فاختلاف الآراء فطرة فطر اللهُ الخلق عليها، وقد بيَّن لنا دينُنا أنَّ اختلافنا في أخصِّ شؤون ديننا وهي الصلاة، لا يُبيح لنا أنْ نتخاصم، فقد اختلف الصحابة الكرام في كثير من مسائل الصلاة، ولم يكن اختلافُهم سبباً لاختلاف قلوبهم، فكان بعضهم يُصلِّي خلف بعض بلا حرج.

ارتقاء معرفي

وأوضح د. آل مبارك أن المأمول من جامعاتنا أنْ نرَى فيها نموذجاً مشرِّفاً للارتقاء المعرفي والسلوكي، فتختلف الآراء والاجتهادات، فتتَّسعُ ساحةُ البحث والاجتهاد العلمي، من غير أنْ تتنافر القلوب، فتَقْوَى الملَكةُ البحثيَّة، ويرتفعُ الجمود واليُبْس، مع بقاء التَّآلف والوُدُّ، مضيفاً أن تدريب طلبة الجامعات على إبداء الرأي والحوار مقصدٌ شرعيٌّ، وأدبٌ إسلامي رفيع، ويزينُه حُسنُ التعامل والتعايش بين جميع ألوان الطيف، ومما ينبغي التنبُّه إليه أنَّ دينَنا قائمٌ على التطوير والتجدُّد، فالجمود على المنقولات منبوذٌ في الإسلام، مبيناً أنه كان العلماءُ يراعون في فتاواهم اللغة والأعراف والعوائد والأشخاص، وكانت الفتوى تقدِّر الزمان والمكان والأشخاص، فما يُفتى به في زمان قد لا يُفتى به في زمان آخر، ويُسمِّي الفقهاءُ هذا مراعاةُ محلِّ النازلة، ذاكراً أن مِن شروط صحَّة الفتوى وجودُ تطابقٍ بين الواقعة وبين الحكم، فالحكم الشرعي نَزَل معلَّقاً على واقعٍ مُشَخَّص، فلا يصحُّ أن يُنزَّل الحكمُ إلاّ على الواقع المطابق له، ويسمَّى هذا التنزيل «تحقيق المناط» ويعرِّفونه بأنه النظرُ في الواقعة لمعرفة طبيعتها وسِماتها وأوصافها ليَنْزل الحكمُ عليها بتطابقٍ تام.

حكم موضوعي

ورأى د. محمد الشنقيطي - عميد كلية العدالة بجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية - أن الوسطية والاعتدال لا يعالجان إلاّ بالوسطية والاعتدال أيضاً، فهناك بعض الأمور يتم معالجتها بطريقة سلبية لا وسطية فيها، إلاّ أننا يجب أن نعلم أن الكثير من المناهج الإسلامية لدينا إنما منبثقة من العقيدة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأصول التي يتعلمها التلاميذ ودرسوها منذ القدم، وهناك طلاب كثر تعلموا على مثل هذه المناهج ولم يحدث لديهم التطرف أو البعد عن الوسطية والاعتدال، مضيفاً أن مناهجنا الإسلامية التي تدرس لابد أن يكون لديها عمق عقائدي وعمق شرعي وإيماني؛ لأنه يبنى عليها الكثير من الأمور، وكلما ضمر هذا النوع من الفكر حدث انشطار في شخصية الطلاب فما لا يرونه في مناهجهم لن يعرفوه، لذلك فالتطرف يأتي بالتطرف، ولابد من الحكم الموضوعي على جميع النواحي التي تتعلق بالمناهج الدينية، فهناك من تعلمها وخرج بشكل يدل على الوسطية والاعتدال، لافتاً إلى أن الحكم على مناهجنا يعتمد على أمرين: الأول: الموضوعية في الحكم، والثاني: الحكم عليها من خلال المختصين والخبراء فيها، فلا نريد أن يكون الحكم عليها من خلال الاستقراء البعيد عن التأمل، وهنا تأتي الموضوعية في الحكم، مؤكداً على أن التطرف يأتي أيضاً من غير المناهج ، فهناك مناهج تزيد من العقيدة بفكر سليم ومنطق سليم فالمنهج ليس المتهم الأول أو الوحيد.

خطوة جيدة

وأوضح د. الشنقيطي أن هذه المناهج الدينية خرّجت أمةً وسطية ومعتدلة، فالشباب الأكثر يتصف بالاعتدال والوسطية، وخروج البعض عن خط الاعتدال يعود إلى عدة أسباب كحدوث العولمة وتقارب الأفكار، وما يطرح من أفكار تولد لدى البعض آراء غير مقبولة، مضيفاً أن خطوة تحديث المناهج الإسلامية في الجامعات والمدارس خطوة جيدة ولا تتعارض مع مبدأ وجود مناهج دينية تعتمد على الوسطية، ولعل أن ينفع بمثل هذه الخطوة في سبيل الارتقاء بمحتوى المناهج بشكل أفضل وأنفع.

مطلب ملحٌّ

وتحدث د. حمود السلامة - وكيل الدراسات والبحث العلمي بكلية التربية وعضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود - قائلاً: إن تطوير مناهج التعليم بعامة مطلب ملحّ، إذا ما أردنا مسايرة التطور والتقدم الحضاري، وقد اتخذت بلادنا المباركة لكافة شؤونها منهجاً عملياً مستمدًا من عقيدة أهل السنة والجماعة القائمة على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، وديننا - ولله الحمد - ليس ديناً جامداً منكفئاً على نفسه، بل هو دين صالح لكل زمان ومكان، لذا فعملية التطوير والتحديث - بما لا يخالف أصلَي التشريع - لا شك أنها مطلب لازم، خاصةً في زمن حادت فيه المناهج والتوجهات عن مسلك الوسطية السمحاء، مؤكداً على أن الوسط ما بين تلك المناهج الضالة مطلب وضرورة ملحّة، مبيناً أن مناهج الثقافة الإسلامية كتبها علماء متخصصون، فليست كلها نصوص شرعية، بل فيها اجتهاد ورأي، قد يُوفق الكاتب فيما كتب، وقد يجانبه الصواب، لذا فإن عملية المراجعة والتحديث أمر محتم، ولذا بادرت بعض الجامعات، قبل توجيه وزير التعليم إلى تحديث مناهج الثقافة الإسلامية، ومراجعتها بما يتناسب مع مستجدات العصر ولا يخالف الشرع، ومن تلك الجامعات جامعة الملك سعود فقد كانت سباقة بالمبادرة، وجهودهم في ذلك مذكورة مشكورة.

وأشار إلى أن توجيه الوزير فيما يخص إحالة مسؤولية النظر في تلك المواد للجامعات فهو أمر طبيعي، لأنها الجهة المنفذة والممارسة لتعليم تلك المواد وتدريسها للمستفيدين، بل وفي ذلك دلالة صريحة على ثقته بمنتسبي الجامعات، إذ إنه اختار منتسبيها للتصدي لكل فكر منحرف وضال، وهو ما نحسبه في كثير من أساتذة الجامعات ممن عرف عنهم المنهج الصحيح المعتدل.


http://www.alriyadh.com/1672254

عِدَّةُ المطلقة التي انقطع عنها الدم

اقتضتْ حكمة التشريع أنْ تقضي المرأةُ زمناً مقدَّراً، بحيث ينتهي بانتهائه جميعُ ما بقيَ من آثار عقد الزوجية، ويُسمَّى هذا الزمن “العِدَّة” فهو زمنٌ قدَّرهُ اللهُ لكلِّ مَن فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو خُلعٍ أو وفاة، وهذا إذاكانت قد تزوَّجت ودخل بها زوجُها، أما التي تزوَّجتْ، ثم طلَّقها زوجُها قبل أنْ يدخل بها، فهذه لم يفرض اللهُ عليها عِدَّة، لا خلاف بين الفقهاء في ذلك، قال تعالى: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)

فإذا فارَقتْ المرأةُزوجَها بطلاقٍ أو بخُلْع أو بوفاته، فإن عليها أنْ تُـحْصي هذا الزمن، حتَّى إذا انتهى، فقد انتهتْ الصِّلةُ بينها وبين زوجها، فجازَ لها أن تتزوَّج بغيره .

والمطلَّقةُ التي انقطع عنها الدَّمُ لِكِبَر، ولم تكن حاملا، فإنَّ عدَّتَها ثلاثة أشهر:

فإن وقع طلاقُها في أول يوم في الشهر،قبل الفجر:

فإن عليها أنْ تحسب يوم الطلاق، فتجعلُه أوَّل أيام العدَّة، لأن الليلة الماضية قد أدركَتْها بإدراك جزء منها، فتعتدُّ بالأهلة، كاملة كانت أو ناقصة، لأن الشهر في الشرع ما بين الهلالين .

وعليه: فتحلُّ برؤية هلال الشهر الرابع.

أما إن حصل الطلاق أوَّل يوم في الشهر، بعد طلوع فجره، أي أثناء الشهر:

فعليها أن تحتاط، فتُلغي يوم الطلاق، فلا تحسبه من عدَّة الأَشْهُر احتياطاً، لأن جزءَ اليوم ليس يوماً .

ثم تنظُر:

أ- فإن كان هذا الشهر الذي حصل الطلاق أثناءه كاملاً (٣٠يوما):

فعليها أن تأخذ من الشهر الرابع أيامًا بعدد الأيام التي مضت من الشهر الذي طلُقَتْ فيه، وتزيد يوماً واحداً بدل اليوم الملْغَى .

مثال ذلك: إن طلَّقها زوجُها صباح أوَّلِ يومٍ في الشهر، فجاء الشهرُ كاملا (٣٠يوما) فإنها تزيد يوماً واحداً، بدل اليوم الذي ألغَتْه، تأخذه من الشهر الرابع، فتنتهي عدَّتُها بغروب شمس اليوم الأول من الشهر الرابع، وأما الشهر الثاني والثالث فتعتبرهما بالأهلة، سواء كانا كاملين أو ناقصين، أو كان بعضها ناقصا، لأن الشهر في الشرع ما بين الهلالين .

مثال آخر: إن طلَّقها صباح خامس يومٍ في الشهر، فجاء الشهرُ كاملا (٣٠يوما) فإن عدَّتَها تنتهي بغروب شمس اليوم الخامس من الشهر الرابع .

ب -وإن كان هذا الشهر الذي حصل الطلاق أثناءه ناقصا (٢٩يوماً):

فعليها أن تأخذ من الشهر الرابع أيامًا بعدد الأيام التي مضت من الشهر الذي طلُقَتْ فيه، وتزيد يوماً بدل اليوم الملْغَى، وتزيد كذلك يوماً آخرَ، تكمل به الشهر ثلاثين يوما، لأنَّنا قدَّرْنا عدَّة هذا الشهر الأول بالأيام احتياطاً .

مثال ذلك: إن طلقتْ صباح اليوم الأول بعد الفجر، فجاء الشهر ناقصا (٢٩يوما) فإنها تزيد يوماً واحداً، بدل اليوم الذي ألغَتْه، ويوماً آخر تتمّ به الشهر ثلاثين يوما، وأما الشهر الثاني والثالث فتعتبرهما بالأهلة لا بعدد الأيام، سواء كانا كاملين أو ناقصين، فتنتهي عدَّتُها بغروب شمس اليوم الثاني من الشهر الرابع .

مثال آخر: إن طلقتْ صباح اليوم الخامس، فجاء الشهر ناقصا (٢٩يوما) فإن عدَّتَها تنتهي بغروب شمس اليوم السادس من الشهر الرابع .

عِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها

اقتضتْ حكمة التشريع أنْ تقضي المرأةُ زمناً مقدَّراً، بحيث ينتهي بانتهائه جميعُ ما بقيَ من آثار عقد الزوجية، ويُسمَّى هذا الزمن “العِدَّة” فهو زمنٌ قدَّرهُ اللهُ لكلِّ مَن فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو خُلعٍ أو وفاة، وهذا إذاكانت قد تزوَّجت ودخل بها زوجُها، أما التي تزوَّجتْ، ثم طلَّقها زوجُها قبل أنْ يدخل بها، فهذه لم يفرض اللهُ عليها عِدَّة، لا خلاف بين الفقهاء في ذلك، قال تعالى: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)
فإذا فارَقتْ المرأةُ زوجَها بطلاقٍ أو بخُلْع أو بوفاته، فإن عليها أنْ تُـحْصي هذا الزمن، حتَّى إذا انتهى، فقد انتهتْ الصِّلةُ بينها وبين زوجها، فجازَ لها أن تتزوَّج بغيره .
فالعِدَّةُ للمتوفَّى عنها زوجُها أربعةُ أشهر وعشرة أيام بلياليها .
فتبدأ عدَّتُها من يوم وفاة زوجها، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ولا يُشتَرَط علمُها بوفاة زوجها، فالعدَّةُ تبدأُ من لَحظة الوفاة، وليس مِن وقْتَ العلْمِ بوفاته، واستنادا لذلك، فلو لم تعلم المرأةُ بوفاته إلا بعد أربعة أشهر وعشرا، فقد انتهت عدَّتها، ولا يلزمها استئنافُ عدَّة أخرى .
ثم إن الوفاةَ قد تقع قبل الفجر، وقد تقع بعد الفجر، فلها حالان:
الحال الأول: إنْ حصلتْ الوفاةُ قبل فجر أوَّل يوم في الشهر:
فإن عليها أنْ تحسب يوم الوفاة، أي أنْ تجعله أوَّل أيام العدَّة، لأن الليلة الماضية قد أدركَتْها بإدراك جزء منها، فتعتدُّ بالأهلة، سواءٌ أكانت الشهور كاملة أو ناقصة، فالشهر في الشرع ما بين الهلالين .

وعليه: فتنتهي عدَّتُها بغروب شمس اليوم العاشر من الشهر الخامس .

الحال الثاني: أما إن حصلتْ الوفاةُ بعد الفجر، أي أثناء الشهر، سواءٌ توفِّيَ بعد طلوع فجر أوَّلِ يومٍ في الشهر، أو بعد ذلك:
فعليها أن تحتاط، فتُلغي اليوم الذي توفِّي فيه (بعد الفجر) فلا تحسبه من أيام العدَّةَ .
ثم تنظُر:
أ- فإن كان هذا الشهر الذي حصلت الوفاةُ أثناءه كاملاً (٣٠يوما):
فعليها أن تأخذ من الشهر الخامس أيامًا بعدد الأيام التي مضتْ من الشهر الذي توفي فيه، ثم تزيد يوماً بدل اليوم الذي ألْغَتْه (وإنما تلغيه إذا توفِّيَ نهارا) وبهذا تكون قد أتمَّتْ أربعة أشهرٍ وعشرة أيام .

مثال ذلك: إذا توفِّيَ زوجُها بعد فجر أوَّل يومٍ من الشهر، فجاء الشهرُ كاملا (٣٠يوما) فإنها تزيد يوماً واحداً، بدل اليوم الذي ألغَتْه، تأخذه من الشهر الخامس، فتحلُّ بغروب شمس اليوم الحادي عشر من الشهر الخامس، وأما الشهر الثاني والثالث والرابع فتعتبرها بالأهلة، سواء أكانا كاملين أو ناقصين، أو كان بعضها ناقصا، لأن الشهر في الشرع ما بين الهلالين .
مثال آخر: إذا توفِّيَ بعد فجر خامس يومٍ من الشهر، فإنها تلغي اليوم الخامس، لأنه توفِّي فيه نهاراً، وتزيد يوماً واحداً، بدل هذا اليوم الذي ألغَتْه، فتأخذه من الشهر الخامس، فتحلُّ بغروب شمس اليوم الخامس عشر من الشهر الخامس .
ب -وإن كان هذا الشهر الذي حصلت الوفاةُ أثناءه ناقصا (٢٩يوماً):
فعليها أن تأخذ من الشهر الخامس أيامًا بعدد الأيام التي مضتْ من الشهر الذي توفِّيَ فيه، وتزيد يوماً بدل اليوم الملْغَى، وتزيد كذلك يوماً آخرَ، تكمل به الشهر ثلاثين يوما، لأنَّنا قدَّرْنا عدَّة هذا الشهر الأول بالأيام، احتياطاً، بخلاف الشهر الثاني والثالث، فيقدَّران بالأهلَّة .

مثال ذلك: إن توفِّيَ زوجُها صباح اليوم الأول، فإنها تزيد يوماً واحداً، بدل اليوم الذي ألغَتْه، ويوماً آخر تُتمُّ به الشهر ثلاثين يوما، وأما الشهر الثاني والثالث والرابع، فتعتبرها بالأهلة لا بعدد الأيام، سواء أكانا كاملين أو ناقصين، فتحلُّ بغروب شمس اليوم الثاني عشر من الشهر الخامس .
مثال آخر: إن توفِّيَ زوجُها صباح اليوم العاشر، فإن عدَّتها تنتهي بغروب شمس اليوم الحادي والعشرين من الشهر الخامس .

عِدَّةُ المطلَّقة

اقتضتْ حكمة التشريع أنْ تقضي المرأةُ زمناً مقدَّراً، بحيث ينتهي بانتهائه جميعُ ما بقيَ من آثار عقد الزوجية، ويُسمَّى هذا الزمن “العِدَّة” فهو زمنٌ قدَّرهُ اللهُ لكلِّ مَن فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو خُلعٍ أو وفاة، وهذا إذاكانت قد تزوَّجت ودخل بها زوجُها، أما التي تزوَّجتْ، ثم طلَّقها زوجُها قبل أنْ يدخل بها، فهذه لم يفرض اللهُ عليها عِدَّة، لا خلاف بين الفقهاء في ذلك، قال تعالى: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)
فإذا فارَقتْ المرأةُزوجَها بطلاقٍ أو بخُلْع أو بوفاته، فإن عليها أنْ تُـحْصي هذا الزمن، حتَّى إذا انتهى، فقد انتهتْ الصِّلةُ بينها وبين زوجها، فجازَ لها أن تتزوَّج بغيره .
فالمطلَّقة، إنْ لم تكن حاملاً، ولم تكن ممن انقطع عنها الدم، فإنَّ عدَّتَها ثلاثةُ أطهار:
فتبدأُ عدَّتُها من يوم طلاقها، قال تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) قالت أُمُّنا عائشةُ رضي الله عنها: ( إنما الَأْقراءُ الأطهار)

ولا يُشتَرَط عِلْمُ الزوجة بأنَّ زوجها قد طلَّقها، فالعدَّةُ تبدأُ من لَحظة وقوع الطلاق، وليس مِن وقْتَ العلْمِ به، واستنادا لذلك، فلو لم تعلم المرأةُ بطلاق زوجها لها، إلا بعدثلاثة أطهار، فقد انتهت عدَّتُها، ولا يلزمها استئنافُ عدَّةٍ أخرى .
ثم إنَّ الطلاقَ قد يقع في زمن طهرٍ وقد يقعُ في زمن حيض:
فإذا وقع الطلاقُ في حال طهرها:
فإنها تجعل هذا الطُّهْرََ أوَّلَ قُرْءٍ لها، سواءٌ وقع في أول الشهر أو في أوسطه أو في آخره، ولو وقعَ قَبْلَ الحيض بلَحْظة، ثم تَعدُّ بعد هذا الطهر ثلاث حيضات، فتَكتملُ الأطهار الثلاثة بأوَّل الحيضة الثالثة، فبنزول أول قطرة دم تنتهي عدَّتُها، لأن الأصل والغالب أنَّه حيضٌ، لأنَّ الدَّمَ إذا نزل فالأصل فيه أنه يستمرُّ، ولا ينقطع .
لكن لـمَّا كان الدَّمُ قد ينقطع -وهذا نادر- أي ينزل دفعةً واحدة ثم ينقطع، فيُسْتحبُّ لها أن تنتظر يوماً أو بعض يومٍ، احتياطاً لبراءة الرحم .
ذلك أنَّ انقطاع الدم يفيد أنَّه ليس حيضا، فالحيض في باب العدَّة هو ما ينزل ويستمر بعض اليوم، أما الحيض في باب العبادة فالدفعة منه تُعدُّ حيضاً .
أما إن وقع الطلاقُ في حال حيضٍ أو نفاس، فتحلُّ بأول الحيضة الرابعة، لأنَّ الطُّهرَ الثالثَ يتمُّ برؤية الحيضة الرابعة .

فقه الحاج موسى

الحاج موسى الخالص «رحمه الله» رجلٌ مقدسي المولد والنشأة، عزيز الجانب شريف النفس، بلغ من العمر مِائةً وعشر سنين، لم تَزدْهُ سنوات الاحتلال الصهيوني إلا صلابة وثباتا، هذا الشيخ يمثِّل الرَّعيل الأول من المرابطين في فلسطين، فبيت المقدس أجلُّ الثغور، والرباط في الثغور بالسكنى فيها تكثيراً لسوادها عبادةٌ من أجلِّ العبادات، والرِّباطُ أن يترك الإنسانُ بلد نشأته ويلزَمُ ثغراً من الثغور لقصْد الحراسة وتكثير سواد المسلمين، فما أعظم فضْل الرباط في ثغر القدس الشريف، وقد جرتْ عادة كثير من الأولياء والصالحين أنْ يرابطوا، وكثير منهم رابطَ في بيت المقدس كالإمام أبي بكر الطرطوشي «رحمه الله» وغيره، فقد روى أَبو داود والترمذي (كلُّ ميِّت يُختمُ على عمله، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه يُنمَّى له عملُه إلى يوم القيامة، ويَأمنُ من فتنة القبر) فيُنَمَّى له عملُه أي أن أعماله التي يعملها قبل وفاته تَجري عليه بعد موته، وكأنه لا يزال يعملها، وهذه فضيلة مختصَّةٌ به .
هذا الشيخ الهرِم البسيط في تعليمه، يملك دكانا قرب باب السِّلْسِلَة بالرواق الغربي للمسجد الأقصى، ومساحة هذا الدكان قد لا تزيد عن عشرة أمتار، يَطلب في هذا الدكان الرزق من الله، ويحتسب أجر الرِّباط، وفي أحد الأيام زاره أحد السماسرة من اليهود، يساومه على شراء دكَّانِه، فسأله أنْ يبيعه الدكان، وعرض عليه ثلاثمِائة ألف دولار، فأبى أنْ يبيع وطلب المزيد، فعرض السمسارُ عليه ضعفَها، فردَّ الحاج موسى بلهجته المقدسية: «إنَّها لا تساوي شمَّةَ سُعوط» –والسُّعوط هو ما يُدخله المرءُ في أنفه من دواء أو رائحة يَشمُّها- فما كان من السمسار إلا أنْ عرض عليه شيكاً مفتوحاً، ليكتب المبلغ الذي يريد، فردَّ الحاج موسى بأن المبلغ لا يزال قليلاً، فعجب السمسار وقال: وماذا بعد الشيك المفتوح! أجابه الحاج موسى: تأخذ ورقةً ويُمضي عليها جميعُ المسلمين من رجال ونساء وأطفال، فإذا وقَّعوا عليها بالموافقة على بَيعي للدكان، فأنا أعطيك الدكان مجاناً .
هذا الرُّجل فَقِهَ أنّ فلسطين ليست مِلكاً لفرد ولا لأفرادٍ من المسلمين، بل لا يجوز لسكانها أن يَنفردوا مِن دون المسلمين بالتنازل عنها، ولا بالإذن ببيع شبرٍ منها، فضلاً عن أن يربط مصيرها بفرد أو منظمة أو دولة لتكون الممثل الشرعي لها، وهذا هو معنى ما رواه ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سِلْمُ المؤمنين واحدةٌ، لا يُسالِمُ مؤمنٌ دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواءٍ وعدلٍ بينهم )
هذا الجواب هو الفقه في الدين، من رجلٍ بسيط ينتمي للمسجد، فلم يكن منتسبا لحزب ولا منتمياً إلى جماعة، وإنما كان غراس مدرسة المسجد التي لا تدعو لحقد ولا ضغينة ولا إساءةٍ لأحد، كما أنها لا تورث انكساراً ولا خضوعا لأحد، غراسُ مدرسةٍ تغذِّي في النفسِ إباء وشموخاً، وتجعل القلب يفيض حبَّاً في دلالة الناس إلى الخير، إنها مدرسةٌ تنشر فكراً حيَّاً تُبنى به المجتمعات وعليه تقوم الحضارات، وتقضي على الأفكار الميِّتة التي تفتِك بالمجتمع، تلك الأفكار التي تزرع فيه جرثومة الفساد ومعدن الذِّلَّة والصَّغار، وقديما قيل:
يَهُونُ عَلَينا أن تُصابَ جُسومُنا وتَسلَمُ أعراضٌ لَنا وعُقولُ
فهذا الرُّجل فَقِهَ أنّ فلسطين ليست مِلكاً لفرد ولا لأفرادٍ من المسلمين، بل لا يجوز لسكانها أن يَنفردوا مِن دون المسلمين بالتنازل عنها، ولا بالإذن ببيع شبرٍ منها، فضلاً عن أن يربط مصيرها بفرد أو منظمة أو دولة لتكون الممثل الشرعي لها، وهذا هو معنى ما رواه ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سِلْمُ المؤمنين واحدةٌ، لا يُسالِمُ مؤمنٌ دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواءٍ وعدلٍ بينهم ) وهو دليلٌ على تَقْوَى الرَّجُل، فالتّقوى ملاك كلِّ خير كما قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) فمن يتَّقي الله يجعل في قلبه فرقانا وفيصلا يفصل به بين الحق والباطل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) إنَّ فرقاً كبيراً بين أمثال الحاج موسى الذين يبتغون رزق الله بالحلال، فلا يأكلون إلا طيِّباً وبنفسٍ أبيَّة، ويعودون لأهلهم بما يكفيهم ويُعِفُّهم، وبين مَن عافَ طيِّبَ الرزق وتخلَّى عن تكريم الله له (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) فباعَ ضميره ووطنه، وأكل كما تأكل الأنعام . إنَّ أمَّةً لا تُفرِّق بين الحلال والحرام، وتَستوي عندها الذِّلَّةُ بالإباء والتِّبْرُ بالتراب، حقيقٌ بها أنْ تُنتهك حُرُماتُها، وأنْ تُهضم في حقوقُها، وأنْ تعيش ذليلة بمؤخِّرة الركب .