الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
آداب الصَّيْد 1-2

اقتضت حكمة الله حين خلق الإنسان، أن يجعل في الأرض صنوفاً من أنواع الطيور وأنواع الحيوانات، وأنْ يَبثَّها موزَّعةً على سائر الكرة الأرضية، فخلَقها على هيئةٍ تكتحلُ العين بمرآها، وتأنس النفوس بتتبُّعها واصطيادها، بل ويجدُ المرءُ لذَّةً في شَيِّها وأكلها، ومن حكمته تعالى، أنْ جعل بعضها أليفاً محبَّباً إلى النفوس، فتأنس النفوس بتربية هذه البهائم وتوفير ما تحتاجه من طعام وشراب وسكن، وتأنس البهائمُ كذلك بصاحبها الذي يرعاها وتألفُه، وجعل البعض الآخر نَفوراً ومتوحِّشاً، وجعل من هذه الدَّوابِّ ما يَطيبُ للأكل، فأباحه لنا، وجعل منها ما لا يَصلح للأكل فحرَّمه علينا. فصَيْدُ البحر جعَلَه الله كلَّه مباحاً،
فقد جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنَّا نركبُ البحرَ، ونحمل معنا القليلَ من الماء، فإنْ توضَّأْنا به عَطَشنا، أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحِلُّ مَيْتَتُهُ) فأباحه الله لنا حيّاً ومَيْتاً، ولم يشترط علينا تذكيتَه، قال سيُّدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (كلُّ دابَّةٍ فى البحر، فقد ذَكَّاها الله لكم)، ولذلك لا فرق بين أن يكون الصيَّادُ مسلماً أو غير مسلم، قال الإمامُ مالك رحمه الله: (وإذا أَكلَ ذلك مَيْتاً، فلا يَضرُّه مَن صادَه) بخلاف صيد البرِّ، فإنَّه يَحتاج إلى تذكيةٍ قبل أَكْله، وأيضاً فإنَّ منه ما يُباحُ أَكْلُه ومنه ما يَحرُم أكْلُه، ثم إنَّ ما أباحه اللهُ لنا أذنَ لنا بتملُّكِه، فيملكُه الإنسان، إمَّا بشرائه من غيره، أو باصطياده إذا كان غير مملوكٍ لأحد، فمَن سبق إلى أخْذِه فهو أحقُّ الناس به. فإذا رأى أحدُنا طيراً أو غزالا أو أرنباً، أو غيرها مما يُباحُ أَكْله، فإنَّ له أن يُمسكَ به فيصير ملكاً له، يُربِّيه إن شاء تربيته، أو يأكلَه إن شاء، فإنْ لم يَقدِر على الإمساك به، كشأن الكثير من الحيوانات التي تنفِرُ من الإنسان، فإنَّ له أن يصطادَه، إمَّا برمْيِهِ بأيِّ آلةٍ جارحة، بالسَّهم أو بالرُّمح أو بحجارة حادَّة أو بالرَّصاص بالبندقيَّة، وإمَّا بإرسال أحد الجوارح، وهو كلُّ ذي ناب من السباع وذي مِخلبٍ من الطير، وينبغي ملاحظة بعض المسائل التي قد تفوت الصيادين، فإذا رأى رجلٌ غزالاً، وصَعُبَ عليه الإمساكُ به، فأطلق عليه رصاصاً من بندقيَّته، أو رماهُ بحجارةٍ محدَّدةٍ، أي حادَّة، فإنَّه إنْ أمسك به مجروحاً قبل موته، فإنه يجب عليه تذكيته ليحلَّ له أكْلُه، فإنْ أمسك به وقد ماتَ بسبب الرصاص أو الحجارة، فإنَّه حلالُ الأكل، وكذلك الأمرُ لو أرسل كلباً معلَّماً، فأمسكَ الكلبُ بالغزال، فإنَّ الغزال إن مات بسبب إمساك الكلبِ به، فإنَّه حلالُ الأكل، فالحيوانات التي تُتَّخذُ للصيد كثيرة، فمنها ما يكون الصيدُ طبْعاً فيه كالبازيِّ، وهو طيرٌ خفيف الجناح وسريع الطيران، فإنَّ مِن طبعه الاصطياد، فيُمكِنُ تدريبه ولو كان كبير السنِّ، حتى قيل على لسانه: (أُوخذُ مِن الجبال وقد كَبُرَ سنِّي، فتُخاطُ عينَيَّ، وأُطعَم الشيءَ اليسير، وأُساهرُ فأُمْنَعُ مِن النوم وأُنْسَى -أي أُترَك- اليومَ واليومين، ثم أُطلَقُ على الصيد وَحْدِي، فأطيرُ إليه وآخذُهُ وأجيء به إلى صاحبي) وكالكلْبِ إذا عُلِّم. ومنها ما يمكن تعليمه في الصِّغر كالصقر، فإنه إذا أُخذ مِن وَكْرِه ثم كَبُرَ، فإنَّه لا يَنفعُ معه التعليم في الكِبَر، فلا يصطاد لغيره، بل يصطادُ لنفسِه، وقد بيَّن لنا القرآن الكريم أنَّ كلَّ معلَّم من السباع يجوز اتِّخاذه للصيد، ولو لم يكن الصيدُ طبعاً فيه، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ)، فدلَّت هذه الآية على أن كلَّ حيوان أمْكَنَ تدريبه جاز الصيدُ به، بل لو أمكنكَ تعليمُ الذئب الصيد لجاز الصيد به، وقوله سبحانه: «مُكَلِّبِينَ» بمعنى مروِّضين ومؤدِّبين، فالتَّكليب هو التعليم، مأخوذٌ من اسمِ الكَلْب، فلا يُشترط في الحيوان الذي يُدرَّب للصيد أن يكون كَلْباً، بل يجوز الصيدُ بجميع أنواع الحيوانات الجارحة إذا عُلِّمَتْ، لكن لمَّا كان التأديب للصيد أكثر ما يكون في الكِلاب، قيل للجارح مُكلَّب، أي معلَّم كما هو شأن الكلب، ثم إن للصيد أخلاقاً وآداباً ستكون حديث المقال القادم إن شاء الله تعالى.

شهادة سيدِنا أنس بن مالك على رؤية الهلال

بداية الرسالة المحوّلة:

من: قيس المبارك
التاريخ: ٦ يوليو، ٢٠١٣
إلى: سلطان اليامي جريدة اليوم
الموضوع: شهادة سيدِنا أنس بن مالك على رؤية الهلال