الجواب وبالله التوفيق :
بداية أشكر فيك هذا الحرص وهذه الهمَّة العالية، فاعلمي بارك الله فيك أن الواجب عليك بخصوص العلم الشرعي أن تتعلمي فروض الأعيان عليك فقط، أما ما عدا ذلك فلا يجب عليكِ، فيجب عليك ابتداءً أن تبحثي عن امرأةٍ فقيهة أو شيخ إن لم تجدي امرأة، فتتعلمين منها أحكام الصلاة بتفاصيلها، أركانها وشروطها وسننها ومكروهاتها ومتى تبطل، وقبل ذلك أحكام الطهارة والوضوء، ثم تتعلمين أحكام الصيام ، ثم أحكام الزكاة التي ستقع لك فقط، كزكاة النقدين، فلا يلزمك معرفة زكاة الأنعام ولا زكاة الثمار، إلا إذا كان عند شيئا من الأنعام أو المزارع، وكذلك سائر أبواب الفقه لا يجب عليك أن تتعلمي منها إلا ما يجب عليك أن تعمليه فقط، أما ما عدا ذلك فليس بواجب، فأنت طبيبة فيجب أن تتعلمي الأحكام المتعلقة بمهنتك، والتي قد تمرُّ بك في العمل .
ثم اعلمي أن الواجب ألا تنشغلي بالمهم عن الأهم، فلا يجوز أن تنشغلي عن أحكام الطهارة بدراسة الحج، فابدئي بمعرفة الأحكام بدراستها على مذهب إمام معتبر متفق على إمامته في العلم وديانته، فاختاري مذهب الإمام الشافعي أو مالك أو غيرهما من الأئمة الأربعة، وادرسي ما يخصك من الأحكام، فابدئي بأبواب الطهارة فالصلاة فالزكاة، فالحج إذا عزمتِ عليه، ثم إذا أتممتِ ذلك، فأصبحتِ تؤدِّين عباداتك بصورة صحيحة، جاز لك أن تتعلَّمي ما وراء ذلك من الأحكام وأدلَّتها .
أما أن تدرسي كتب الفقه والأصول والتفسير والحديث وتتبَّعي أقوال العلماء وأدلَّتهم، بحجة أن طلب العلم فريضة، فهذا تكليفٌ بما لا يُطاق، بل تأثمين إذا ترتب على ذلك فشلك في عملك، لأن الفشل في العمل إساءة إلى المرضى، وتشويه لسمعة الطبيبات الفاضلات، فالتعمُّق في كل فنٍّ إنما هو شأن المختص فيه، والله تعالى يقول {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }، فاكتفي بفرض العين، وأبدعي في اختصاصك لتكوني داعية إلى الله بسلوكك وإتقانك لصنعتك، واعلمي أني رأيت بعض الناس شوَّهوا صورة المتديِّنين عندما أهملوا في أعمالهم، وربما قصَّروا في حسن تعاملهم مع الناس، فتواصي مع زميلاتك أن تكنَّ كالشامة بين الناس، أما العمل في مكان بعيد عن المحرم، فلا أراه لك إلا لضرورة، فاعقدي العزم على العودة في أقرب فرصة تجدينها، فوجودك بين أهلك أستر لك وأتقى، وفقك الله لما يحب ويرضى .