التمثيل يصوِّر الغائب تصويراً وكأنه ماثلٌ أمام المشاهِد، فالوصف والتمثيل يقوم مقام الـمعاينة، كما في الحديث: ( لا تَصفُ الـمرأةُ الـمرأةَ لزوجها حتـى كأنه ينظر إلـيها) 1 فنزَّل الوصف والتمثيل منزلة الرؤية الحسيَّة، ومن هذا الحديث أخذ الإمام مالك أن الوصف في المبيع الغائب يرفع الجهالة عنه، فأجاز بيع الغائب على الصِّفة .
ويُلاحظ أن للتمثيل أثراً كبيراً على النفس، فهو يقوم بما لا تقوم به الكتابة ولا ما يقوم به الكلام، ففي الموطأ2 من حديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا؟فأشار بيده وقال: أربعاً، وكان البراء يشير بيده ويقول: ويدي أقصرُ من يد رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلّم .
فأشار النبـيُّ صلى الله عليه وسلَّم بيده الشريفة لأن التمثيل أوْقعُ في النفس مِن الكلام المجرَّد، تذكيراً لها كي لا تنسى، قال الحافظ أبو الوليد الباجي: (وأشار بيده لِيَكُونَ فِي ذلك تَذْكِرَةٌ له ومَنْعٌ مِنْ النِّسيانِ)
ولا أرى غرابة في أن يتحرَّج بعض العلماء من الفتوى بالإباحة، لا لحرمة التمثيل في ذاته، بل حمايةً لجناب الصحابة الكرام، وإلا فالذي يظهر لي أن الأصل في ذلك هو الإباحة، إذا مُثِّلَ
الحال تمثيلاً صحيحا، فضلاً عن أن التحريم يحتاج إلى دليل، وليس في التحريم نصٌّ من حديث ولا أثر.