الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
ما رواه أبو هريرة رواهُ غيرُه

عبدالرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-، بلغ من زهده في الدنيا وتعلُّقه برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه ترك التوسُّع في الدنيا وملاذِّها، واكتفَى مِن طلب الرزق بما يُشبع جَوْعَته، لئلا تَفوتَه ملازمةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي حين كان عموم الصحابة الكرام يصفقون في الأسواق، كان أبوهريرة يقول: «كنت أَلزَمُ النَّبِيَّ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- على شِبَعِ بَطني» فمن حين قدم إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- سنة سبعٍ للهجرة، كان يلازمه فيها ملازمة تامة، ولذلك حفظ كثيراً من حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وقد أجمع علماءُ الحديث، أنه أكثر الصحابة الكرام روايةً لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحفظهم له، روى عنه أكثرُ من ثمانمائة ما بين صحابيٍّ وتابعيّ، وبلغت أحاديثه ألفاً وثلاثمائة حديث، وقد دلَّسَ بعضُ المعاصرين، وزعموا أنه روى أكثرَ من خمسة آلاف حديث! والواقع، أنَّ هذا عددُ طرُق أحاديثه، فقد ذكر أبوعبدالله الحاكم أن بَقيَّ بن مَخلَد ذكرَ في مسنَده لأبي هريرة -رضي الله عنه- خمسةَ آلاف حديثٍ وثلاثمِائةٍ وأربعةً وسبعين حديثاً، ووجه التدليس هنا أن الحديث الواحدَ قد تتعدَّد طرقه، فقد يَروي سيدُنا أبو هريرة حديثاً، ثم يُروى هذا الحديث عن أبي هريرة من طرقٍ متعدِّدة، فالطريق هو السند الموصل إلى الراوي، فتعدُّد الطرق والأسانيد التي تتسلسل إلى أبي هريرة لا يعني أن كلَّ طريق حديثٌ آخر، بل قد تكون بعض طرق الحديث منقطعة، وبعضها فيه راوٍ ضعيف أو كذَّاب، فكثرة الطرق لا تعني صحَّة الحديث، وذلك حين تكون الطرق كلها ضعيفة.
وإذا رجعنا إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، لم نجد الأحاديث التي رواها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تزيد على ألفٍ وثلاثمِائة حديث، فبعض هذه الأحاديث نُقل إلينا عن أبي هريرة من طريق واحد، وبعضها من طريقين وبعضُها من خمسة طرق، ثم إن هذا العدد(1300) لم ينفرد أبو هريرة بروايته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما شاركه في روايتها عددٌ من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، وإذا جمعنا الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة، أي التي لم يروها أحدٌ غيرَه نجدُها أربعين حديثاً، فاعجب لمن يتقوَّل على هذا الصحابي الجليل، والمتأمِّل يجد أن كثرة روايته دليلٌ على صدقه؛ لأنَّ ما رواهُ من الأحاديث رواها غيرُه، قال التابعي الجليل محمد بن عُمارة: «قعدت في مجلسٍ فيه مشيخةٌ من الصحابة بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرةَ يحدّثهم عن رسول الله بالحديث، فلا يَعرفه بعضهم، فيراجِعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث كذلك، حتى فعل مراراً، فعرفتُ يومئذ أنَّ أبا هريرة أحفظ الناس»، ولذلك قال سيدنا عبدالله بن عمر لأبي هريرة: «كنتَ ألزمَنا لرسول الله وأعرفَنا بحديثه»، وإذا تساءلنا ما سرُّ هذه الحافظة، فإن الجواب يأتي من أبي هريرة -رضي الله عنه-، حين ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قائلاً: يا رسول الله إني قد سمعتُ منك حديثاً كثيراً، وأنا أخشى أن أَنْسَى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابسُطْ رداءَك، قال أبو هريرة: فبسطْتُهُ فغرفَ بيده فيه، ثم قال: ضمَّهُ فضمَمْتُهُ، فما نسيت شيئاً بعدُ».
يسيرٌ على بعض الناس أن يرمِي التُّهم على الآخرين، ويخطئ خطأً كبيراً مَن يتسرَّع بالتصديق بلا برهان، فضلاً عن أن يسأل، ففي الحديث «إنما شفاءُ العِيِّ السؤالُ» والعِيُّ هو الجهل.


الاحد 17شعبان 1435 - 15يونيو (حزيران) 2014

http://www.alyaum.com/News/art/145413.html