الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
السُّؤدَدُ في السَّوَاد

إمتاع الأسماع بسيرة النبيِّ المطاع" كتابٌ لطيفٌ، كتبه الشابُّ النجيب عبدالرحمن بن محمد الجمعان، كتبَهُ في مقتبل العمر، ولمَّا يتجاوز السابعة عشرة من عُمُرِه، قرأتُ الكتاب فسرَّني فيه حُسْنَ عَرْضِهِ لسيرة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، مع وضوحٍ في كلماته، وسهولة في عباراته، وسلاسة في أسلوبه، ما كتبه هذا الشاب يؤكِّد أن الشبابَ في الأممِ عمادٌ لنهضتها، وإذا كان الناس يقولون إن الشباب عمادُ المستقبل، فإنهم كذلك عمادٌ للحاضر، إنْ أَحسَنّا تربيتهم وتعليمهم، فهذا الأحنف بن قيس يقول: (السّؤدَدُ مع السواد) أي سواد الشَّعر، إشارةً إلى حداثة السِّن، وهذا سيدنا عبدالله بن العباس رضي الله عنه، كان عُمَرُ يُدخلُه مع أشياخِ بدر، وهو صغير السِّن، فكأنَّ بعضُهم وَجَدَ في نفسه، فقال: لِمَ تُدخِلْ هذا معنا؟ فقال عمر: إنه مَن قَدْ عَلِمْتُمْ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، وقال لهم: ما تقولون في قول الله تعالى: «إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ»؟ فقال بعضهم: أُمِرْنا أنْ نَحمد الله ونستغفرَه إذا نُصِرْنا، قال عمر: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقال ابنُ عباس: هو أجلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَعْلَمَهُ له، فقال عمر: ما أَعلمُ منها إلا ما تقولُ.
وولّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عتّابَ بنَ أُسيدٍ مكةَ وهو ابن خمس وعشرين سنة، وعقد رايةَ الجيش لأسامة بن زيد وهو ابنُ عشرين سنة، وهذا سيدُنا معاذُ بن جبل رضي الله عنه، وَلِيَ اليمنَ وهو ابنُ أقلَّ من ثلاثين سنة، وفي مجلس المأمون نظر رجلٌ إلى أبي دُلَف العجليِّ، وكان شابّاً، فقال: إنَّ همَّتَهُ تَرْمِي به وراءَ سِنِّهِ، وسوَّدَتْ قريشُ رجلاً لم يَطُرَّ شاربُه فأدخَلَتْهُ مع الكهول دارَ النّدوة.
وقد حكى التابعيُّ الجليلُ سُفيانُ بن عُيينة أنَّ وفداً قَدِمَ على عمرَ بن عبدالعزيز، قال: فاشرأبَّ منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: مهلاً يا غلام لِيَتكلَّمَ مَن هو أَسنُّ منك، فقال الغلام: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنما المرءُ بأصغريه قلبِهِ ولسانِه، فإذا مَنَحَ اللهُ العبد لساناً لافِظاً، وقلباً حافظاً، فقد اسْتَجادَ له الحِلْيَةَ، ولو كان التقدُّمُ بالسِّنِّ، لكان في هذه الأمَّةِ مَن هو أحقُّ بمجلسك منك، فقال عمر: صدقتَ، تكلَّمْ، فتكلَّم الغلام، وحين انتهى قال له عمر: عِظْنا يا غلام وأوجِزْ، قال: نعم يا أمير المؤمنين، (إنَّ أُناساً غرَّهم حِلْمُ الله عنهم، وطَوَّلَ أَمَلَهمْ حُسْنُ ثناءِ الناس عليهم، فلا يَغرَّنَّكَ حلمُ الله عنك وطولُ أَمَلِكَ، وحُسْنُ ثناء الناس عليك، فتَزِلَّ قَدَمُك) فنظرَ عمرُ في سنِّ الغلام، فإذا هو ابنُ بضعَ عشرة سنة، فأنشأ عمر يقول:
(تعلَّمْ فليس المرءُ يولدُ عالما
وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ)
(وإنَّ كبيرَ القومِ لا عِلمَ عندَهُ
صغيرٌ إذا التفَّتْ عليه المحافلُ)
وهذا محمد بن القاسم الثَّقفيُّ، قاد جيشاً عظيما، وفتح الله على يده بلاد السند، وهو ابنُ سبع عشرة سنة، قال يزيد بن الحكم:
(إِنَّ الشَّجاعَةَ وَالسَّماحةَ والنَّدَى
لِمُحمَّدِ بنِ القاسِمِ بنِ محمدِ)
(قادَ الجيوشَ لِسبعِ عَشْرَةَ حَجَّةً
يا قُرْبَ ذلك سُؤْدداً مِن مَوْلِدِ)
والأمثلة في نجابة الشباب تَخرجُ عن الحصر، فكيف تنهض أمَّةٌ أهملتْ شبابَها، وتَركَتْهم فرائس للشهوات والشبهات، وشبابنا اليوم يحملون هموم أمَّتهم، وأنا واحدٌ ممن يبوحُ له الشبابُ بهمومهم، فحَمْلُهم للهمِّ عنوانُ نجابة، فبِقدْرُ الهمومِ تكون الهممْ، إنَّ خير ما تصرف فيه الأوقات، وتُبذل فيه الأموال، هو رعاية الشباب تربيةً وتعليما وتوجيها.


http://www.alyaum.com/News/art/146837.html
الاحد 24 شعبان 1435 - 22 يونيو (حزيران) 2014