الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
من بديع حكم الزكاة

شرع الله الزكاة لحكم جليلة ومعانٍ نبيلة، ومن يتأمَّل في معاني الزكاة يتجلَّى له أن الزكاة تطهِّر المال وتنمِّيه حسّاً ومعنى، فهي تطهير للمال لأن ثروة أصحاب المال مصدَرُها المجتمع، فثروة الغني حصل عليها مِن عامة أفراد الشَّعب وبسطائهم، فهم سبب ثرائه، فكان واجباً على الأغنياء من التجار وأصحاب المال أن يُنَقُّوا أموالَهم بردِّ شيء مِن الجميل للناس، ويتأكَّد على التاجر أنْ يُطهِّرَ مالَه إذا عَلِمنا أنَّ كثيراً من معاملاته التجارية لا تَسْلَم مِن حصول غبْنٍ أو غررٍ ولو يسيرٍ، وفي كثير من الأحيان يكون الغرَرُ غيرَ مقصود، وهذا شأن عقود التجارة، فمَبْناها على المشاحَّة والمُحاقَّة، فكلا الطرفين يُغالِبُ صاحبَه، من أجل أنْ يُحصِّلَ حقَّه كاملاً غير منقوص، والمشاحَّة لا تخلو مِن غلَبَةِ أحد الطرفين، ذلك أنَّ كلاً مِن البائع والمشتري يريد أن يَربح لا أن يُغلَب، ثم إنه قد يقعُ من البائع إهمالٌ في بيعه، فيبيع سلعةً معيبةً على أنها سليمةٌ، غفلةً منه، وأشدُّ من هذا أن يقع ذلك من بعض الناس بقصدٍ للغشِّ، والعياذُ بالله.
وصُوَرُ الخطأ والإهمال والتقصير والغشِّ من البائع كثيرةٌ جداً، وتتنوَّع بسبب تنوِّع البضائع واختلاف طرق البيع، ثم إنَّ هذا الغرر الذي يقع من التُّجَّار، رغم كثرته بسبب صوره، فإنَّ تَقْليلَه والتخفيفَ منه ممكنٌ حين يكون التاجر شديد الخوف من الله، شديد المراقبة لنفسه، غير أنه مما يَعسُرُ التحرُّز منه، فلا يكادُ يَسلَمُ أحدٌ من التُّجار من الوقوع فيه، مهما بالَغُوا في الاحتياط في معاملاتهم.
فكان من رحمة الله بعباده أنْ فتحَ لهم باباً لتطهير أموالهم مما يخالطها من زيادةٍ بغير وَجْهِ حقّ، وهو باب الزكاة، فمقدار الزكاة بمنزلة تطهير المال، ليكون مالُهُ طيِّباً، غيرَ مشوبٍ بشائبة إثمٍ أو ذنب، والزكاةُ ليست عطيَّةً يَخُصُّ بها الرَّجلُ شخصاً معيَّناً، على سبيل المحبَّة والتَّوادِّ، وإنما هي تطهيرٌ للأموال وتكفيرٌ للذنوب، ولا يقترنُ بها إحسانٌ لفقيرٍ يَخُصُّهُ الغنيُّ بهذا المالِ، فالزكاةُ إذا أعطاها الغنيُّ لأيِّ فقيرٍ صحَّتْ منه، فهي واجبةٌ في حقِّ الغنيِّ لأيِّ مُستَحِق، ولا يُشتَرَطُ فيها أنْ تُدفع لفقيرٍ بعينه، فهي حقٌّ يُدفع لأحد الأصناف الثمانية من غير تعيين لصنف من الأصناف ولا لفقيرٍ بعينه، فالزكاة تُطَهِّرُ أَنْفُسَ أصحاب رؤوس الأموال من شُحَّها وبخلها، وتُطَهِّرُ أموالَهم من إثم جمعها وكنزها، فهي تنميةٌ للمال وزيادةٌ فيه، لأنَّ مَن تُدفع لهم الزكاة، هم من أشدِّ الناس احتياجاً إلى المال، لِدَفْعِ ضروراتهم، من غذاء أو كساء أو سكن أو دواء، ولذلك فإنهم لِمَسيس حاجتهم، سيبادرون بالذهاب بها مباشرة إلى السوق، لشراء حوائجهم وضرورياتهم، ولا يُتوَقَّع منهم أنْ يكنزوها في جيوبهم، وإنما الذي يكنزُها هو مَن لم تُلْجِئه الحاجة إلى صرفها في سدِّ جَوعَته.
فمن بديع حكمة الزكاة، أنَّ المزكِّي إذا الْتَزَمَ شروطَها، ومِن شروطها أن يدفعها لمستحِقِّها، فإنها لن تبقى في جيوب مستحقِّيها، بل ستتحوَّل مباشرة إلى السوق، ثم إنها لن تتشتَّت في جميع الأسواق، فلن تُستَهلك في السلع الترفيهية، أي أنها لن يضيعَ قرشٌ منها في المطاعم الفاخرة، أو المتاجر الفارهة، وإنما سَيُنتفع بها في أسواق السلع الضرورية، مِن مأكلٍ ومشربٍ وملبس، وبهذا فإنَّ مالَ الزكاة، رغم قلَّتِه ويسارَته، فإنه إذا نزل في أسواق السلع الضرورية، فإنَّ العائدَ منه سيحيي هذه الأسواق ويُنشِّطها، فلك أخي القارئ أن تتصوَّر عظيم أثر الزكاة رغم يسارَة قدْرها.


http://www.alyaum.com/News/art/148322.html

اليوم - السعودية - 2014/06/29