الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
الخلافةُ ليستْ اعتداءً وانتزاعاً للبيعة بالقهْر والغَلَبَة

ذكر الأصوليون أن بيان الحقيقة يَكشفُ مُقابِلَها، فبضدِّها تتميَّزُ الأشياءُ، فرأيت أن ألخِّصُ في هذا المقال حقيقة بيعة الخلفاء الراشدين.

فحين توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأى المسلمون أن أوجبَ الواجبات عليهم في تلك الساعة أن يختاروا رأساً يرجع إليه تدبيرُ شؤونهم، فقدَّموا اختيارَه على دفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة يتشاورون حول من يجتمعون عليه، إلى أنْ بدأت النفوس تميل إلى اختيار أبي بكر - رضي الله عنه - فبايعوه جميعُهم أحسنَ بيعة وأجملَها، كما قال الصحابيُّ الجليل سالمُ بن عبيد.

وحين مرضَ سيِّدُنا أبوبكر الصدِّيقُ - رضي الله عنه - اجتمع الصحابة فقالوا : يا خليفة رسول الله أنت خيرُنا وأعْلَمُنا فاخْتَرْ لنا، فقال: أقيلوني، فقالوا له: لا نُقِيلُك، فقال: (سأجتهد لكم رأيي وأختار) فأرسل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعرض عليه الأمر، فقال عمر : لا حاجة لي بها.

فقال أبو بكر : (لكن بها إليك حاجة، والله ما حَبَوتُك بها ولكن حَبَوتُها بك) فاختار لهم عمرَ بن الخطاب، فَبايَعوه، ولم يُــبْــدِ أحدٌ منهم إنكاراً، وقد عُرفوا بالصَّدْعِ بالحق والتصريح به.

ومما قاله سيد الشجعان عليُّ بن أبي طالب للفاروق رضي الله عنهما: (ما خَلَّفْتُ أحداً أحبَّ إليَّ أنْ أَلْـقَـى اللهَ بمِثْلِ عَمَلِهِ مِنكَ، وأيمُ الله إنْ كنتُ لأظنُّ أنْ يجعلك اللهُ مع صاحبيك، وحَسِبتُ أنِّي كنتُ كثيراً ما أسمعُ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) يقول: ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر، ودخَلْتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجْتُ أنا وأبو بكر وعمر).

وحين كان الفاروق على فراش الموت جاءَه الصحابة الكرام، وقالوا له: استخْلِفْ، قال: (أَحْتَمِلُكُم حيَّاً وميِّتاً! حظِّي منكم الكَفاف، لا عَليَّ ولا لي) فألحُّوا عليه، فقال: (إنْ أَستَخْلِف فقد اسْتخْلَفَ مَن هو خيرٌ مني، وإنْ أترُك فقد ترَك مَن هو خيرٌ مني.

إنَّ الأمر أمرُكم، أنتم شهود الأمَّة، وأهلُ الشورى، فمَن رَضِيتم به فقد رَضوا به، هل تعلمون أحداً أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاء الستة النفر الذين مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو عنهم راض، قالوا: لا، قال: فإني أرى أنْ نجعل ذلك بهم، فيؤمِّروا أحدَهم قالوا: فقد رأَيْنَا ذلك وجعلناه إليهم) ثم إنه سمَّى ستَّةً ممَّن بقي حيَّاً من العشرة المبشرين بالجنَّة، وهم عليٌّ وعثمان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف، ولم يُسمِّ السابع وهو ابن عمِّه سعيد بن زيد، لألا يُدخلَ قرابتَه.

ثم اجتمعوا يتشاورون، واستشاروا الناس، فلم يتركوا أحداً من المهاجرين والأنصار إلا واستشاروه، حتى سألوا الصبيان، ثم خرج عبدالرحمن بن عوف بعثمان وعليٍّ - رضي الله عنهما - إلى المسجد، وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والانصار، فامتلأ المسجد حتى غصَّ بالناس، ثم صعد المنبر ودعا، ثم أَمسكَ عبدُالرحمن بيد عثمان وبايعه، ثم بايعه عليٌ - رضي الله عنه - ثم بدأ الناسُ يتتابعون ويزدحمون على مبايعة عثمان، قال سيفُ بن عمر : (لمَّا بايع أهلُ الشورى عثمانَ خرج وهو أشدُّهم كآبة) لِعِظَم الأمانة.

وحين قُتلَ سيدُنا عثمان - رضي الله عنه - جاء الناسُ يهرعون إلى سيدِنا عليٍّ - رضي الله عنه - فقالوا له: نبايعك، فأعرض قائلاً : (دعوني والتمِسوا غيري، أكونُ وزيراً خيرٌ مِن أنْ أكونَ أميراً) فقالوا : نَنشدك الله، ألا ترى الفتنة، فأجابهم: (لا تَعجَلوا فإنَّ عمرَ كان رجلاً مباركا، وقد أوصى بها شورى، فأمْهِلوا يجتمع الناس ويتشاورون).

فجاء أهلُ بدر فقالوا: (ما نرى أحداً أحقَّ بها منك) فبايَعوه مِن غير سعْيٍ منه إليها، ولا طمعٍ فيها - رضي الله عنه - فبايعه جمهور الصحابة يومئذٍ، وانقادوا له، ولم يجحد بيعتَه أحد، وما وقعَ مِن فِتَنٍ بعدها، فإنما وقع لأمور أخرى، ليس هذا موضعها، فأين هذا الورع العظيم، والتَّقوى والخوف من الله، مِن جماعةٍ خرجتْ على أمَّتها وبَغَتْ عليها، تُرهب الناس بأعمالها، ولا ترحمُ في كبير السِّنِّ شَيْبَتَه؟!

http://www.alyaum.com/article/4001584