الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
دينُ الله هَدْيٌ كريمٌ لا فُحْشَ فيه

هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وكان التُّجار من سائر البلاد يَردون إلى المدينة، يبيعون ما يأتون به من بلادهم، ويشترون من المدينة ليبيعوه في بلادهم، وكانت الوفودُ تَفِدُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، فيستقبلهم ويقرِّبهم، وينزل كبيرهم وسيِّدهم المنزل اللائق به، وربما استقبلهم داخل المسجد، كما فعل مع وفد ثقيف، وكان مجتمع المدينة مفتوحا على غيره من الأمم، الكتابية منها وغير الكتابية، وكانت لليهود في المدينة سطوةٌ على المال، وهو أعظم سلاح يُستثمرُ لتحقيق الهيمنة الفكرية، وكانوا يخالطون المسلمين في الطرقات والبساتين والأسواق أخذاً وعطاءً وبيعاً وشراءً، كلُّ ذلك لم يُبِحْ للمسلمين أنْ ينقضُّوا على أموالهم بالسَّلب، ولا على أعراضهم بالثَّلب، فلم يَمنع المسلمون اليهودَ مِن عوائدهم الاجتماعية، ولا مِن اعتقاداتهم الباطلة، كان المسلمون يُدركون أن دين الإسلام ليس فيه ما يُستَحْيَى منه، وأنه كالماء الطهور، يُطهِّرُ ما يجري عليه، وأن الإسلام لا يُقبل إلا عن رضا وطواعية، فانفتاحهم على الآخر أعظمُ بابٍ لهداية الخَلق، يُساقُ الناسُ إلى دين الله بصفاء العقيدة، لا بقتلهم ولا بنهب أموالهم لتكون غنائم للدولة الإسلامية، لأن قلوبَ مَن ربَّاهم المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، ليست ممتلئةً حقداً ولا ضغينة على المخالفين، بل كانت قلوباً تحمل مشاعل هدايةٍ للناس جميعا، فهذا منقذ بن حِـبَّـان العَـبْديّ يسافر مِن جُوَاثَا، وهي موطنٌ لبني عبد القيس، وتقع الآن ضمن دائرة بساتين الأحساء الشمالية، ولم يبق منها سوى أثرٌ لثالث مسجدٍ بُنِيَ في الإسلام، ويسمَّى «مسجد جُوَاثَا» فيذهب في السنة الأولى من الهجرة، إلى المدينة مُـتَّجرا، قد أحضر معه شيئاً من الملاحف -وهي ما يُتدثَّرُ به، فيوضع فوق اللباس كالثوب والغترة وما شابهها- وشيئاً من التمر، فيلقاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو يمارس تجارته في سوق المدينة، فَيَبِشُّ فـي وجهه، ويسأله ملاطفاً له وموادِعاً: أمنقذُ بن حِـبَّان؟ كيف جميع هيئتك وقومك؟ فسأله عن أشرافهم رجلا رجلا، يسمِّيهم بأسمائهم، وسأله عن بلده الأحساء، وعن ما فيها من المياه والنخيل وأنواع التمور، يسمِّيها نوعاً نوعاً، وبعد أنْ آنَسَهُ صلوات ربي وسلامه عليه بالسؤال عنه وعن أهله، انصرَف وتَرَكَهُ لشأنه، فما كان مِن منقذ إلا أنْ انشرح صدره لهذا النبيِّ الكريم، فتوجَّه إلى أحد الصحابة الكرام، وسأله عن هذا الدين، فأخبره بحقيقة الإسلام وكيف يُسلِم، فذهب منقذٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن إسلامَه، وحين رجع إلى بلده رأتْهُ امرأتُه يصلِّي، فذهبتْ إلى أبيها، وهو خالُ زوجها، واسمه «المنذر بن عائذ بن حارث العبدي» وكان سيِّداً في بني عبد القيس، وهو الذي سمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم «الأشج» لِشَجَّةٍ كانت في وجهه، وقالت له: أنكَرْتُ بَعْلِي منذُ قدم مِن يثرب، رأيته يغسل أطرافه ويستقبل الجهة -تعني القبلة- فَيَحْنِي ظهرَهُ مَرَّةً، ويضع جبينَهُ مَرَّةً، ذلك دَيدنه منذ قدِمَ، فطَلَبَه وسأله إن كان قد صَبَأَ، وكانوا يقولون لمَن يُسلم صبأ، فأخبره بما رأى، وأن هذا الدين إنما هو مكارم الأخلاق وأنه أسلم، فوقع الإسلام في قلب المنذر، ثم ذهب المنذرُ إلى قومه، فجمعهم وأخبرهم بقصَّة منقذٍ وإسلامِه، فأسلَم في هذا الاجتماع خلقٌ كثير، فانظر أخي القارئ الكريم إلى الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صلوات ربي وسلامه عليه، كيف دلَّ على الله بحالِهِ قبل قالِه، وقد قيل: لا تصحبْ مَن لا يُنهضُكَ حالُه، ولا يدلُّك على الله مقالُه، وللقصة بقية في المقال القادم.

http://www.alyaum.com/article/4004674