http://www.ahram.org.eg/News/161878/41/502816/%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%89/%D8%B9%D8%B6%D9%88-%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%80-%C2%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%85-%C2%BB%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%80%D9%84%D8%A7%D9%81.aspx
كد الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك أستاذ الفقه بجامعة الملك فيصل، وعضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، أن اختلاف الفتاوى أمر محمود ومندوب إليه، وهو من محاسن الشريعة، ويجب ألا يكون سببا للنزاع والشقاق بين المسلمين.
وأوضح أن استقطاب الجماعات المتشددة مثل “داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية للشباب والبسطاء يستدعى البحث عن آليات تحصين أبنائنا، لحمايتهم مِن أن يكونوا أدوات بأيدي الآخرين. وطالب العلماء بأنْ يَكُفُّوا عن جَلْد الشباب بل عليهم أنْ يَنزلوا إليهم ويعامِلوهم معاملة الأبِ الحاني على أولاده والوقوف على همومهم وبحث مشكلاتهم وتلبية حاجاتهم الفكرية والمعرفية.
وقال في حوار لـ « الأهرام» على هامش مشاركته في مؤتمر (وسطية الفكر في الدراسات العربية والإسلامية) الذي نظمته كلية دار العلوم بجامعة المنيا، إن التعاون بين المؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية ضرورة للحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية ومواجهة التحديات الراهنة.. والى نص الحوار..
ما أسباب استقطاب التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” وغيرها كثيرا من الشباب حتى من داخل الدول الغربية؟ ولماذا وجد الفكر التكفيري رواجا في الآونة الأخيرة؟
استقطاب الجماعات للشباب والبُسطاء ليس عسيراً، وأيَّاً كانت الجهةُ التي تقف وراء نشأة هذه الجماعات، هل هي حكومات غربية كما يقول البعض، وهو زعْمٌ لا يُخفي كثيرٌ من السياسيين والمثقفين الغربيين قناعتهم به، غير أن الذي يعنينا، ونراه أهمَّ علينا مِن الحديث عن نشأتها وأسباب استقطابها لأولادنا، هو كيف نحصِّن أبناءنا، وكيف نحميهم مِن أن يكونوا أدوات بأيدي الآخرين، فهذا أهمُّ علينا من أنْ نُشغل أنفسنا بمن هو الذي يرعَى هذه الجماعات، ولعل أول شيءٍ يجب تحصينُ أولادنا به هو العلم، ذلك أن الجهل إذا اقترن بفقدانٍ العدالة وبالإحباط والحماس، فإنه يورث المهالك، ويزجُّ بالشباب إلى مهاوي الرَّدَى، فالشباب يُظنُّ بهم البساطة والطِّيبة مع قلَّة الدِّراية والمعرفة، ومع شدَّة الحماسة والاندفاع. فالجهلُ مع شدَّة الحماس سببان أساسيان في الوقوع في الهوَى، أي أن المرء لِشدَّة حماسه قد يغلبُه هواهُ من حيث لا يعلم، وما ذاك إلا لِتَسَلُّط أهوائه القلبيَّة وانفعالاته وطيشه، على أقواله وآرائه وتصرُّفاته، فكثيرٌ من الناس يبدأ داعيةً إلى الله، فإذا به يجدُ نفسَه داعيةً إلى أشخاص، وربما صار داعيةً إلى جماعةٍ من الجماعات، فهذا هو الهوَى الذي يقذف بصاحبه إلى الفسق أو إلي الانحراف والضلال، وربَّما أوقع بصاحبه في الكفر، كما قال الله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ). وهذا المؤتمر الذي نظمته كلية دار العلوم بجامعة المنيا مهم في موضوعاته، ومهم في وقته، والأهم عندي أن يفتح المعلِّمون والمربُّون من أساتذة الجامعات وغيرهم صدورهم للشباب، فيجلسون إليهم ويستمعون إلى أقوالهم واستشكالاتهم، ويحاورونهم بحلمٍ وعلم قبل أن يلقِّنوهم ما يريدون، وأولادنا لا ينقصهم الذكاء والفهم، ولا ينقصهم الصدق في البحث عن الحقِّ والصَّواب، ولا تنقصهم القدرة على تمييز الأفكار الصحيحة من الشَّاذَّة، إذا تمَّ عرضها عرضاً علميَّاً صحيحاً، غير أنهم بحاجة إلى مَن يُحسن الاستماع إليهم ومناقشتهم، وأقْدر الناس على محاورتهم هم أساتذتهم.
ويجب علينا أن نبحث ونتدارس جميعا كيف تم اختطافُ أولادنا من بين أيدينا، ولماذا عَجَزنا عن مَنْع هذه الظاهرة وعن الوقوف دون انتشارها، وأخشى أن تكون بعض المعالجات سبباً في ازدياد هذا المرض وانتشاره، ولذلك فأنا أكرر ما ذكرته وهو أن أوَّل سبل العلاج يكون بالجلوس مع أولادنا في المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، لامتصاص غضبهم والاستماع إلى همومهم، فالنفوس تتعلَّق عادةً بالمجهول، لأنها ترَى في المجهول ما لا تراه في المعلوم، وتظنُّ أن هذا المجهول شيءٌ عظيم، ولم يكن هؤلاء الشباب المغرر بهم ليقلدوا بعض من يظنون انهم أهل العلم لو وَجَدَوا مِن الأساتذة مَن يَفتح قلبَه له، فالمأمول من الأساتذة أنْ يَكُفُّوا عن جَلْد الشباب، بل عليهم أنْ يَنزلوا إليهم، ويعامِلوهم معاملة الأبِ الحاني على أولاده، فعندها لن تجد في أولادنا مَن يُختطَف.
وما سبب اختلاف الفتاوى وتضاربها بين كبار العلماء؟
اختلاف الفتاوى ثمرةٌ لاختلاف الاجتهاد، وهو أمرٌ محمود ومندوبٌ إليه، وهو من محاسن الشريعة، فلم يكن اختلاف الفتاوى عند المتقدمين سبباً للنزاع والشقاق بين المسلمين، وإنما كان عنواناً على مرونة الشريعة وسَعَتها، وحُجَّةً للناس في أن يختلفوا في تنظيم شئونهم الحياتيَّة من غير أن تختلف قلوبُهم، ولم يكن هذا الاختلاف سببا للتنازع، بل إن الفقهاء اتفقوا على أن مِن المنكرات المبتدعة أنْ يَحتكر أحدٌ الاجتهاد، فليس له أن يزعم أنَّ قولَه هو الراجح وهو الصحيح مطلقاً وهو الذي عليه الدليل! فيُلغي اجتهاد غيره، وإنما للمجتهد أن يقول هذا هو ما ظهر لي، أو ترجَّح عندي، فهذا الإمام الأعظم أبو حنيفة النُّعمان يقول: (قولُنا هذا رأيٌ، وهو أحسنُ ما قَدَرْنا عليه، فمَن جاءنا بأحسن من قولنا، فهو أولى بالصواب منَّا).
حينما نذهب لأداء العمرة أو الحج نجد تضاربا في الفتاوى ذات الصلة بالمناسك، وكل حاج أو معتمر يتبع فتاوى علماء البلد الوافد منها، فلماذا هذا الاختلاف؟
لعلك تقصد الفتاوى المعتبرة التي انتظمتها كتب المدارس الفقهية المعتبرة، فهذه لا يقال عنها فتاوى مصر ولا فتاوى السعودية، لأن فقهاء مصر وفقهاء المملكة العربية السعودية مرجعيَّتهم واحدة، فليست مرجعيَّتهم بلداً ولا أشخاصاً، فلذلك صار فقهُهم واحداً، نعم قد يستشكل بعضُ الناس اختلاف الفقهاء في بعض المسائل، غير أن هذا ليس تضارباً في الفتوى، فيسيرٌ على الشارع الحكيم أنْ يَنصَّ بكلماتٍ يسيرةٍ، على حُكمٍ قاطعٍ في كثير من المسائل الفقهية، فتكون الفتوى واحدةً باتفاق الفقهاء، فهذا أيسرُ على الشارع الحكيم، غير أنَّ مُرادَ الشارعَ وحِكْمةَ الشريعة اقتضَتْ أن يكون حُكمَ كثير من المسائل الفقهية موضعَ اجتهادٍ، بخلاف أحكام تقسيم الميراث مثلاً، فقد كانت معظم أحكام الميراث موضعَ اتِّفاقٍ بين العلماء، فقد جعلها اللهُ قطعيةً، لِـمَنْع التنازع بين الورثة، أما معظم مسائل الفقه فكانت محلَّ اجتهادٍ لحِكَمٍ عديدة، ليس هذا موضع بحثها، وإنما الذي يهمُّنا منها في هذا اللقاء، أنْ يرى الناسُ فيها نموذجاً مشرِّفاً لتوسيع ساحة المذاكرة والبحث والاجتهاد العلمي، فتختلف الآراءُ وتتعدَّد الاجتهادات في المسألة الواحدة.
ما هي أوجه التعاون بين مصر والسعودية في مجال الدعوة والإفتاء؟
التعاون بينهما واجبٌ تفرِضُه الأخوَّة الإسلامية، فالمؤسسات التي ترعَى الشئون الدينية في المملكة ومصر، لهما وزنهما في العالم الإسلامي، بل في العالم كلِّه، والمسلمون ينتظرون منهما مزيداً من الجهود في توعية الناس بحقائق الإسلام، وفي تبصير الناس بالعقيدة الصحيحة، لا تقذف بهم الأهواء والعواطف إلى مزالق الرَّدى، فلم يُلحد الملحد، أو يتشكَّك المتشكِّك إلا بسبب سوء فهمه لدين الله، ولن يقف أمام هذا التشويه لحقائق الإسلام إلا العلماء، وقد قال يحيى بن معاذ: عالِمٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان من ألف عابد، فللعلماء أثرٌ بالغٌ في إبراز صورة الإسلام على حقيقتها المشرِّفة.