الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
أدبُ الطبيب

للطبيب آداب كثيرة يجب أن يتصف بها وتكون حِلْيَةً له، وهذه الآدابكثيرة، وقد ذكر الشيج جلال الدين الشَّيزَري: (ت590هـ) في كتابه “نهاية الرتبة في طلب الحسبة”فذكرآدابا للصنائع الطبية، حيث وضع فصلا في أدب الطبيب المعالج وآخر في أدب الطبيب الجرَّاح وآخر لطبيب العيون وللبياطرة وللصيادلة وغيرهم، فقال في الطبيب: (وينبغي إذا دخل الطبيبُ على مريض أن يسأله عن سبب مرضه، وعمَّا يَجِدُ من الألم، ويَعرف السببَ والعلامةَ والنَّبضَ والقارورة، ثم يرتِّبُ له قانونا من الأشربة وغيرها، ثم يكتب نسخة بما ذكره له المريض، وبما رتبه له في مقابلة المرض، ويسلم نسخته لأولياء المريض، بشهادة من حضر معه عند المريض، فإذا كان من الغد حضر ونظر إلى دائه، وسأل المريض، ورتب له قانونا على حسب مقتضى الحال، وكتب له نسخة أيضا،وسلمها إليهم، وفي اليوم الثالث كذلك، ثم في اليوم الرابع، وهكذا إلى أن يبرأ المريض) وقال في طبيب العيون: (وأما الكحالون، فيمتحنهم المحتسب بكتاب حَنين بن إسحاق، أعني العشر مقالات في العين، فمَن وجده فيما امتحنه به عارفا بتشريح عدد طبقات العين السبعة، وعدد رطوباتها الثلاثة، وما يتفرع من ذلك من الأمراض، وكان خبيرا بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير، أَذن له المحتسبُ بالتصدِّي لمداواة أعين الناس، ولا ينبغي أن يفرِّط الكحال في شيء من آلات صنعته،وأما كحالو الطُّرُقات فلا يوثق بأكثرهم) إلى غير ذلك من الآداب التي تشتدُّ الحاجة إليها بقدْر شرف الصَّنعة،ولعلَّ آكَد ما يجب أن يتَّصف به الطبيب هو الصدق، وهي الصِّفةَ الغالبة على الأطباء، لكن ربما قَصَدَ بعضهم التغرير بالمريض لتحصيل مزيدٍ من المال، وهذا من أشنع الكذب، ورغم ندرته، فآثاره وخيمة،وهذا شأن الشَّرف الرفيع، لا يَسلم من الأذى، فكم تُقوِّلَ على القضاة والأطباء، فهذا الشاعر عليُّ بن العباس المشهور بابن الرومي،حين لم ينفع معه العلاجُ زعم أن الطبيب غلط عليه في الدواء، فحين دخل عليه إمامُ اللغة إبراهيم الأزدي المعروف بنِفْطَوَيْه وسأله: ما حالك؟ أجابه: (غلَطَ الطبيبُ عليَّ غلطةَ مُورِدٍ *** عَجَزَتْ مواردُهُ عن الإصدار)ويلاحظ أنَّ الطبيب قد يضطرُّ لإخفاء الحقيقةظنّاً منه أن مصلحة المريض تقتضي ذلك، مثل أن يتبيَّن له أن المريضَ مصابٌ بمرض خطير لا يرجى برؤه، فما هو أدبُ المهنة في هذه الحالة؟ أماناقص الأهليَّة كالصغير والمجنون والمريض مرضاً نفسانيا، فإنه لا يملك أمر نفسه، فلا يملك الإذن بالعلاج ابتداءً، فليس للطبيب أنْ يُبْلغه بمعلومةٍ يُؤذيه سماعها، وإنما يجب أن يخبر وليّه الذي أذن في علاجه، فهو أقدر على اتِّخاذ القرار الصائب له، وأما الكبير العاقل الذي يملك أمر نفسه، فليس للطبيب أنْ يكتم عنه أيَّ معلومة تتعلَّق بحالته، مهما حَسُنَتْ نيته، وإنْ رجا تخفيف وقع المصيبة عليه، فالكذب يُفقد ثقة المريض فيه، يستوي في ذلك أن يكون المريضُ رجلاً أو امرأة، فالمرأة هي مَن وَكَلَ إليها الشارعُ الحكيمُ حفظَ صحَّتها، لأنها كاملةُ الأهليَّة، فلا يملك زوجها ولا غيرُه قولاً في علاجها، وقد يستشكل بعض الأطباء قائلا: أخشى أن ينزعج المريض، إذا علم بحقيقة مرضه، فالجواب أنَّ هذا حقٌّ للمريض، لا يجوز كتمانه عنه، لكن على الطبيب أن يترفَّق في إبلاغه،فيختار التعبير المناسب، ولا بأس أن يخبر بعض أهله وأقاربه، فهم أقدر على إبلاغه برفق، لنَّ ترْويعَ المريض حرام، ذكر الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله في باب “خطأ الطبيب”من كتابه “الأمّ”أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمَّن مَن روَّع امرأةً فسقط حَمْلُها، فما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه، قال الشيخ تاج الدين بن السبكي رحمه الله تعالى:(وإذا رأى علامات الموت، لم يُكره أنْ يُنبِّه على الوصية بلطفٍ من القول) ومن أدب الطبيب بذل النصح للمريض، والنصيحة للمريض باب واسع تدخل تحته معان كثيرة، منها أن يبدأ بالأسهل من طرق العلاج فما فوقه، فلا يعدل عن الغذاء إلى الدواء إلا عند تعذُّر الشفاء بالغذاء،ومنها كذلك أن يكون رفيقاً بالمريض ليّناً معه، قال الشيخُ أبو عبد الله ابن الحاج (ت: 737هـ) رحمه الله تعالى: (وينبغي للطبيب، بل يتعين عليه، أنه إذا جلس عند المريض، أن يُؤْنسه ببشاشة الوجه وطلاقته، ويهوِّن عليه ما هو فيه من المرض) ومن النُّصح للمريض ألا يَستقبله الطبيبُ في الأحوال التي يتغير فيها خُلُقُه ويتشتَّت فيها تفكيرُه، فلا يعالج وهو منزعج الجنان، ما لم تكن حالة المريض تستدعي المبادرة بالعلاج، ومن أدب الطبيب أن يكون حسن المظهر، فإذا جبلت النفوس على التعلق بمن أحسن إليها، فإنها كذلك قد جبلت على التعلق بمظهر الحسن والجمال، وخير لباس الطبيب الأبيض، ومن أدب الطبيب اجتناب ما لا يليق، فخيرُ الأطبَّاء مَن لا يُحبُّ أنْ يَرى من عورات المرضى إلا القدْر الذي تقتضيه الحاجة، ويأذن فيه المريض، والسِّتر على النِّساء آكد، فعيبٌ على الطبيب أن يخلوا بامرأة، فالحياء خيرٌ كلُّه، ولا خير فيمن لا يستَحْيِي، ولعظيم شأن الطبِّ تحدَّث العلماءُ في كتبهم عن آداب الأطباء، وألَّفوا فيه كتبا مستقلَّة .