الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
تقديم اليدين في السجود

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه ، ومن والاه .
وبعد فقد اتفق الفقهاء على أنه لا حرج على المصلِّي أنْ يُقدِّم في السجود يديه أو ركبتيه، ثم اختلفوا في أيهما الأفضل، فذهب المالكية إلى أنَّ الأفضل تقديمُ اليدين قال الشيخ خليل: (وتقديم يديه في سجوده، وتأخيرهما عند القيام) فقد روى أبوداوود وغيره، بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) والبعير يَهْوي على ركبتيه أثناء بروكه .
فنزول الدَّابَّة في لغة العرب إنما يكون على ركبتيها، فقد روى البخاري في صحيحه في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، قال سُراقة: (ساخَتْ يدا فَرَسِي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين) فركبتا البعير في يديه وليستا في قدميه، قال الجوهري (ت٣٩٣هـ) في الصِّحاح: ( وعُرْقوبُ الدابة في رِجلها بمنزلة الرُكبة في يدها… قال الأصمعي: كلُّ ذي أربعٍ عُرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه) ومثله في المخصَّص لابن سِيده، فشأن البعير البروك، وهو أن يُقدِّم ركبتيه عند بروكه، أي أنَّه يَخْفض نصفه الأمامي، ويرفع مؤخَّرته، فيَخِرُّ على ركبتيه اللتين في يديه، فنَهَى صلى الله عليه وسلم عن هذا البروك، فالحديث لا إشكال فيه، فهو أَمْرٌ بتقديم اليدين من غير رفْعٍ للعجيزة، بخلاف البعير يقدِّم يديه اللتين فيهما ركبتاه رافعاً عجيزته عند بروكه، قال الشيخ أبو عبد الله الـخَرْشي: (أي عكس ركبتي البعير اللتين في يديه، فإنه يقوم عليهما، ولكن يُقدِّم زحزحته بـمؤخَّر رجليه عند القيام، قبل أن يمد يديه للقيام، فركبتاه مؤخَّرتان في القيام، والإنسان ركبتاه مقدمتان، وفي حالة النزول، ركبتا الإنسان مؤخَّرتان، وركبتا البعير مقدمتان) .
وبهذا يزول استشكال ابن القيم رحمه الله حين قال: (إن البعير إنما يضع يديه أولاً) فإنه حين أشكَل عليه المعنى لجأ إلى تأويل الحديث وصَرْفِه عن ظاهره، وشكَّك في الراوي بأنَّه وَهَمَ وقَلَبَ اللفظ، قال رحمه الله في زاد المعاد: (مما انقلب على بعض الرواة مَتْنُه وأصْلُه، ولعلَّه “ولْيضع ركبتيه قبل يديه”) قال الشيخ الملا علي القاري رحمه الله: (لو فُتح هذا البابُ لَـمْ يَبْقَ اعتمادٌ على روايةِ راوٍ مع صحَّته)
ثم إنَّ لِـحَديث أبي هريرةَ شاهدا من فِعْل ابن عمر، يؤكد أنَّ الراوي لم يَهِمْ، ذكره البخاريُّ في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم، وأخرجه الدارقطني بسند حسن، كما قال الحافظ ابن حجر، قال نافع: (كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه) قال الحاكم في المستدرك: (فأما القلْبُ في هذا، فإنه إلى حديث ابن عمر أَمْيَل، لرواياتٍ في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين) .
وتقديم اليدين يقدر عليه كلُّ الناس لسهولته، أما تقديم الركبتين فلا يقدر عليه إلا الشابُّ القوي، قال الحافظ ابن سيد الناس: (أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح من حيث الإسناد، وأصرح من حيث الدلالة، إذ هي قوليَّة، ولِـما تُعطيه قوَّةُ الكلام من التهجين في التشبيه بالبعير، الذي ركبته في يده، فلا يمكنه تقديم يده على ركبته إذا برك، لأنها في الاتصال بيده كالعضو الواحد)
أما في القيام من السجود، فلا يؤخرُ المصلِّي الركبتين كما يؤخِّرها البعير أثناء قيامه، ولصعوبة ذلك عليه غالبا، وإنما يُقدِّم ركبتيه في القيام ويؤخِّر يديه، قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه: لا يطيق تقديم اليدين في القيام إلا الشاب القليل اللحم، بخلاف البعير، فإنه يؤخر الركبتين في قيامه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

قيس بن محمد آل الشيخ مبارك