الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
التحديث خطوة مهمة في سبيل الارتقاء بمحتوى المقررات بشكل أفضل وأنفع تطوير المناهج في الجامعات.. «الضرورة تتطلب ذلك»

قبل سنوات كان من الصعب جداً أن توجه الملاحظات على المناهج في التعليم العام أو العالي حول مسألة وجود بعض الاختلالات التي تسبب التطرف، وتدفع إلى الغلو على اختلافه من خلال التفاسير والأحكام الاجتهادية، إلاّ أن الجامعات اليوم تواجه مسؤولية تحديث وتطوير المناهج بشكل يجعل منها تقوم على مزيد من الرؤى التي تضع التفسير في موضعه الحقيقي من السماحة والاستيعاب لجميع الآراء والأحكام من منطلق القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو الطريق القائم على الوسطية والاعتدال والسماحة والرحمة.

وعلى الرغم من أن تحديث وتطوير المناهج وهي المهمة التي أوكلتها وزارة التعليم إلى الجامعات خطوة مهمة ستفتح الباب على مصراعيه لتنقيح علوم مضى وقت طويل على ثبات مسارها، إلاّ أن البعض من الأكاديميين والمفتين وخبراء الفتوى الشرعية وجدوا أن المناهج السابقة اعتمدت على الاجتهادات التي جعلت منها حالة قطعية لا تقبل الحياد، في حين نظر البعض إلى التحديث على أنه خطوة مهمة، لكن ذلك لا يؤكد أن المناهج في التعليم هي المتهم الوحيد في التطرف والإرهاب.

تقريب المبادئ

وقال د. قيس آل مبارك - عضو سابق في هيئة كبار العلماء -: إن الجامعات اعتمدت مقررات الثقافة الإسلامية، من أجل أن تبصِّرَ الطالب بحقائق الإسلام، فيكون على بيِّنةٍ وقناعةٍ تامَّة بأن دين الإسلام دينُ سماحةٍ ووسطيَّةٍ واعتدال، وأنه ينبذ الغلظة والجفاء، مضيفاً أنه يُلاحظ المراقبُ شدَّةَ المعاناة التي تعيشها الأمةُ الإسلامية، ويزيدها شدَّةً هذا الاستقطاب الحاد الذي يتنافَى مع الأخوَّة، فغياب الحكمة في التعامل بين أبناء المجتمع نذيرٌ بفكِّ بُنيان التماسك الاجتماعي، ومفتاحٌ لباب الفتنة، من أجل هذا فإنَّ من أهمِّ واجبات وزارة التعليم، تقريب المبادئ الإسلامية لأولادنا وتبسيطها لهم، والارتقاء بمستوى الوَعْي لديهم، ليقفوا على سماحة دينهم ووسطيَّته، كما قال سبحانه: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»، ليكونوا بمنْأَى عن الغلوِّ الذي حذَّر اللهُ منه أهل الكتاب، بقوله: «قُل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ»، بل إنَّ هذا من أوجب الواجبات على المختصين في العلوم الشرعية مِن خطباء وقضاة وأساتذة في التعليم العام والجامعي، فالجهل يورد الشبابَ المهالك، مشيراً إلى أنه علينا أن نبيِّن لهم أننا نعيش في سفينة واحدة، وأنَّ علينا ألاّ يعادي بعضنا بعضاً لاختلافٍ في مسألةٍ اجتهادية، فالمنهج الوسطي منهجٌ نبويٌّ يدفعنا إلى أنْ يقبلَ بعضُنا بعضاً، فاختلاف الآراء فطرة فطر اللهُ الخلق عليها، وقد بيَّن لنا دينُنا أنَّ اختلافنا في أخصِّ شؤون ديننا وهي الصلاة، لا يُبيح لنا أنْ نتخاصم، فقد اختلف الصحابة الكرام في كثير من مسائل الصلاة، ولم يكن اختلافُهم سبباً لاختلاف قلوبهم، فكان بعضهم يُصلِّي خلف بعض بلا حرج.

ارتقاء معرفي

وأوضح د. آل مبارك أن المأمول من جامعاتنا أنْ نرَى فيها نموذجاً مشرِّفاً للارتقاء المعرفي والسلوكي، فتختلف الآراء والاجتهادات، فتتَّسعُ ساحةُ البحث والاجتهاد العلمي، من غير أنْ تتنافر القلوب، فتَقْوَى الملَكةُ البحثيَّة، ويرتفعُ الجمود واليُبْس، مع بقاء التَّآلف والوُدُّ، مضيفاً أن تدريب طلبة الجامعات على إبداء الرأي والحوار مقصدٌ شرعيٌّ، وأدبٌ إسلامي رفيع، ويزينُه حُسنُ التعامل والتعايش بين جميع ألوان الطيف، ومما ينبغي التنبُّه إليه أنَّ دينَنا قائمٌ على التطوير والتجدُّد، فالجمود على المنقولات منبوذٌ في الإسلام، مبيناً أنه كان العلماءُ يراعون في فتاواهم اللغة والأعراف والعوائد والأشخاص، وكانت الفتوى تقدِّر الزمان والمكان والأشخاص، فما يُفتى به في زمان قد لا يُفتى به في زمان آخر، ويُسمِّي الفقهاءُ هذا مراعاةُ محلِّ النازلة، ذاكراً أن مِن شروط صحَّة الفتوى وجودُ تطابقٍ بين الواقعة وبين الحكم، فالحكم الشرعي نَزَل معلَّقاً على واقعٍ مُشَخَّص، فلا يصحُّ أن يُنزَّل الحكمُ إلاّ على الواقع المطابق له، ويسمَّى هذا التنزيل «تحقيق المناط» ويعرِّفونه بأنه النظرُ في الواقعة لمعرفة طبيعتها وسِماتها وأوصافها ليَنْزل الحكمُ عليها بتطابقٍ تام.

حكم موضوعي

ورأى د. محمد الشنقيطي - عميد كلية العدالة بجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية - أن الوسطية والاعتدال لا يعالجان إلاّ بالوسطية والاعتدال أيضاً، فهناك بعض الأمور يتم معالجتها بطريقة سلبية لا وسطية فيها، إلاّ أننا يجب أن نعلم أن الكثير من المناهج الإسلامية لدينا إنما منبثقة من العقيدة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأصول التي يتعلمها التلاميذ ودرسوها منذ القدم، وهناك طلاب كثر تعلموا على مثل هذه المناهج ولم يحدث لديهم التطرف أو البعد عن الوسطية والاعتدال، مضيفاً أن مناهجنا الإسلامية التي تدرس لابد أن يكون لديها عمق عقائدي وعمق شرعي وإيماني؛ لأنه يبنى عليها الكثير من الأمور، وكلما ضمر هذا النوع من الفكر حدث انشطار في شخصية الطلاب فما لا يرونه في مناهجهم لن يعرفوه، لذلك فالتطرف يأتي بالتطرف، ولابد من الحكم الموضوعي على جميع النواحي التي تتعلق بالمناهج الدينية، فهناك من تعلمها وخرج بشكل يدل على الوسطية والاعتدال، لافتاً إلى أن الحكم على مناهجنا يعتمد على أمرين: الأول: الموضوعية في الحكم، والثاني: الحكم عليها من خلال المختصين والخبراء فيها، فلا نريد أن يكون الحكم عليها من خلال الاستقراء البعيد عن التأمل، وهنا تأتي الموضوعية في الحكم، مؤكداً على أن التطرف يأتي أيضاً من غير المناهج ، فهناك مناهج تزيد من العقيدة بفكر سليم ومنطق سليم فالمنهج ليس المتهم الأول أو الوحيد.

خطوة جيدة

وأوضح د. الشنقيطي أن هذه المناهج الدينية خرّجت أمةً وسطية ومعتدلة، فالشباب الأكثر يتصف بالاعتدال والوسطية، وخروج البعض عن خط الاعتدال يعود إلى عدة أسباب كحدوث العولمة وتقارب الأفكار، وما يطرح من أفكار تولد لدى البعض آراء غير مقبولة، مضيفاً أن خطوة تحديث المناهج الإسلامية في الجامعات والمدارس خطوة جيدة ولا تتعارض مع مبدأ وجود مناهج دينية تعتمد على الوسطية، ولعل أن ينفع بمثل هذه الخطوة في سبيل الارتقاء بمحتوى المناهج بشكل أفضل وأنفع.

مطلب ملحٌّ

وتحدث د. حمود السلامة - وكيل الدراسات والبحث العلمي بكلية التربية وعضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود - قائلاً: إن تطوير مناهج التعليم بعامة مطلب ملحّ، إذا ما أردنا مسايرة التطور والتقدم الحضاري، وقد اتخذت بلادنا المباركة لكافة شؤونها منهجاً عملياً مستمدًا من عقيدة أهل السنة والجماعة القائمة على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، وديننا - ولله الحمد - ليس ديناً جامداً منكفئاً على نفسه، بل هو دين صالح لكل زمان ومكان، لذا فعملية التطوير والتحديث - بما لا يخالف أصلَي التشريع - لا شك أنها مطلب لازم، خاصةً في زمن حادت فيه المناهج والتوجهات عن مسلك الوسطية السمحاء، مؤكداً على أن الوسط ما بين تلك المناهج الضالة مطلب وضرورة ملحّة، مبيناً أن مناهج الثقافة الإسلامية كتبها علماء متخصصون، فليست كلها نصوص شرعية، بل فيها اجتهاد ورأي، قد يُوفق الكاتب فيما كتب، وقد يجانبه الصواب، لذا فإن عملية المراجعة والتحديث أمر محتم، ولذا بادرت بعض الجامعات، قبل توجيه وزير التعليم إلى تحديث مناهج الثقافة الإسلامية، ومراجعتها بما يتناسب مع مستجدات العصر ولا يخالف الشرع، ومن تلك الجامعات جامعة الملك سعود فقد كانت سباقة بالمبادرة، وجهودهم في ذلك مذكورة مشكورة.

وأشار إلى أن توجيه الوزير فيما يخص إحالة مسؤولية النظر في تلك المواد للجامعات فهو أمر طبيعي، لأنها الجهة المنفذة والممارسة لتعليم تلك المواد وتدريسها للمستفيدين، بل وفي ذلك دلالة صريحة على ثقته بمنتسبي الجامعات، إذ إنه اختار منتسبيها للتصدي لكل فكر منحرف وضال، وهو ما نحسبه في كثير من أساتذة الجامعات ممن عرف عنهم المنهج الصحيح المعتدل.



http://www.alriyadh.com/1672254