الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
مدَّة الإقامة التي ينقطع بها حكم السفر

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه ، ومن والاه .
وبعد فالإقامةُ والسفرُ كلمتان متغايرتان لغةً وفي اصطلاح الشرع، فشرع اللهُ القصرَ تخفيفاً للمسافر، أما المقيم فباقٍ على أصْله وهو الإتمام، فإذا كان المسلمُ مقيماً فالواجب في حقِّه أنْ يُتمَّ صلاتَه أربع ركعات، فإذا سافرَ جاز له أنْ يقصرها إلى ركعتين، فإنْ نوى أنْ يقيم في البلد التي سافر إليها صارَ له حُكم المقيم، ذلك أنَّ الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامةً في لغة العرب وفي اصطلاح الشرع، كما قال الحافظ ابن حجر، فيجب عليه الإتمام، فقد صحَّ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:(أُصلي صلاة المسافر، ما لم أُجْمِعُ مُكْثاً، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة) قال القاضي أبو الوليد الباجي: ( يريد ما لم أَنْوِ المقام مدةً تمنع ذلك) وقال ابن عبد البرِّ في التمهيد :(هذا وجه صحيح مجتمع عليه فيمن نوى الإقامة أنه يلزمه الإتمام) فنيَّةُ الإقامة تجعل منه مقيماً لا مسافراً .
ثم إنَّ الصحابة الكرام، بعد أن اتفقوا على التفريق بين المسافر والمقيم، فلم يختلفوا أنَّ للمسافر مدَّةً إذا تجاوزها صار مقيماً، وإنما اختلفوا في مقدار هذه المدة التي إذا نوى المسافر أن يَمكثها يصير مقيماً ويلزمه الإتمام .
فذهب الأحناف إلى أنَّ مَن نوى الإقامة أقلَّ من خمسة عشر يوما فله حكم المسافر، وإن بلغت إقامتُه خمسة عشر يوما صار مقيماً، واختاره الإمام مالكٌ رحمه الله قول سعيد بن المسيب الذي رواه في الموطأ: (من أجْمَعَ إِقَامَةَ أرْبَعَةِ أيَّام وَهْوَ مُسَافِرٌ أتَمَّ الصَّلاَة) قال الحافظ ابن العربي: ( سعيد بن المسيب صحب سبعين بدريًا، ومن الصحابة جملة وافرة، ووعى علمًا كثيرًا فأفتى بهذه الفتوى ولا يقتضيها النظر ولا يعطيها القياس فكانت حجة على ما أشرنا إليه من أصله) ومعنى كلامه أنَّ الرجل إذا نوى الإقامة في بلدٍ -ليس وطناً له- مدة أربعة أيام صِحاحٍ بلياليها، فإنه يصحُّ أن يقال عنه مقيم، فينقطع عنه حكم السفر، ومعنى صحاح أن تكون أربعة أيام كاملة من صلاة الصبح إلى صلاة العشاء، بحيث تجب عليه فيها عشرون فريضة .
فلو أنَّ رجلا دخل مدينةً قبل طلوع فجر يوم السبت ونيَّتُه الخروج منها بعد عشاء يوم الثلاثاء، فقد صار مقيماً لأنه أقام أربعة أيامٍ صِحاحٍ صلَّى فيها عشرين فريضة، فهذه هي الإقامة التي تقطع حكم السفر .
أما إنْ لم تكن الأيام صحاحاً، فإنَّ له حكمُ القصر، وإنْ وجبتْ عليه فيها عشرون فريضة .
مثال ذلك: لو أنَّ رجلا دخل مدينةً قبل طلوع فجر يوم السبت ونيَّتُه الخروج منها قبل مغيب الشفق، أي قبل عشاءِ يوم الثلاثاء، فإن حكم السفر لم ينقطع عنه، لأنه لم يُقِمْ بها مدَّة عشرين صلاة، فلا يُعدُّ مقيماً، بل لا يزال مسافرا، لأنه لم تجب عليه فيها عشرون صلاة، فليس معه إلا تسع عشرة صلاة .
وكذلك الأمر فيمَن دخل قبل عصر يوم السبت، ونيَّتُه أنْ يخرج بعد صلاة صبح اليوم الخامس أي الأربعاء، فإنه كذلك يقصر، لأنه وإن أدَّى أكثر من عشرين صلاة، فليس معه إلا ثلاثة أيام صحاح، فلا بد مِن مراعاة الأربعة الأيام الصِّحاح، ليكون له حكم المقيم .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
23/8/1438هـ