الجواب
بِرُّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة، فقد روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، وقال الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
فلا يجوز للأب أن يمنع أولادَ طليقتِه من زيارة أُمِّهم والبِرِّ بها، حيث كان زوجُ أُمِّهم حسنَ السمعة، إذْ أنَّ الأبَ لن يرضى أنْ يُمنع من زيارة أمِّه لو كان حاله كحال أولاده .
ولا يجوز كذلك للأُمِّ أن تمنع أولاد طليقها من زيارة أبيهم والبِرِّ به .
فالذي عليهما هو أنْ يحتكما إلى أمر الله، قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
فإنْ منع أحدُ الوالدين أولاده من الزيارة والبِرِّ، فلا تجوز طاعته، فقد روى البخاري عن عليٍّ رضي الله عنه: ( إنما الطاعة في المعروف) ذلك أن طاعةَ الله بِبِرِّ أُمِّهم مقدمةٌ على كل طاعة، فقد روى الإمام أحمدُ وغيرُه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(مَن أمركم منهم بمعصيةِ اللهِ، فلا تطيعوه)
فلْيتَّق الأبُ اللهَ لألا يضطرَّ أولاده لارتكاب أخفِّ الضررين، بزيارة أمِّهم بدون علمه، ذلك أنَّه إذا اضطرَّهم إلى ذلك، فزيارتهم لأُمِّهم بِرٌّ بها، وليس عقوقاً بأبيهم، ويلحق بسببه إثمٌ على أبيهم .
كتبه قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،،، وبعد
فقد فرضَ اللهُ تعالى الصيام على كلِّ مقيمٍ قادرٍ صحيحِ البدَن: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ورَّخص فيه للمريض والمسافر فقال: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فوَجَبَ على كلِّ مَن حضر الشهر، وكان قادراً على الصيام أنْ يصومه، لا فرْقَ في ذلك بين من يعيش في البلاد التي تقع على خط الاستواء وبين من يعيش في البلاد القطبية .
ثم إنْ لَـحِقَ المرءَ تعبٌ بسبب الصيام، فإنَّ التَّعب نوعان، تعبٌ معتاد، وتعبٌ شديدٌ يُخاف أنْ يُفضي إلى أذَى شديد أو الهلاك، وتفصيل القول فيهما فيما يلي...
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه ، ومن والاه .
وبعد فقد اتفق الفقهاء على أنه لا حرج على المصلِّي أنْ يُقدِّم في السجود يديه أو ركبتيه، ثم اختلفوا في أيهما الأفضل، فذهب المالكية إلى أنَّ الأفضل تقديمُ اليدين قال الشيخ خليل: (وتقديم يديه في سجوده، وتأخيرهما عند القيام) فقد روى أبوداوود وغيره، بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) والبعير يَهْوي على ركبتيه أثناء بروكه .
فنزول الدَّابَّة في لغة العرب إنما يكون على ركبتيها، فقد روى البخاري في صحيحه في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، قال سُراقة: (ساخَتْ يدا فَرَسِي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين) فركبتا البعير في يديه وليستا في قدميه، قال الجوهري (ت٣٩٣هـ) في الصِّحاح: ( وعُرْقوبُ الدابة في رِجلها بمنزلة الرُكبة في يدها… قال الأصمعي: كلُّ ذي أربعٍ عُرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه) ومثله في المخصَّص لابن سِيده، فشأن البعير البروك، وهو أن يُقدِّم ركبتيه عند بروكه، أي أنَّه يَخْفض نصفه الأمامي، ويرفع مؤخَّرته، فيَخِرُّ على ركبتيه اللتين في يديه، فنَهَى صلى الله عليه وسلم عن هذا البروك، فالحديث لا إشكال فيه، فهو أَمْرٌ بتقديم اليدين من غير رفْعٍ للعجيزة، بخلاف البعير يقدِّم يديه اللتين فيهما ركبتاه رافعاً عجيزته عند بروكه، قال الشيخ أبو عبد الله الـخَرْشي: (أي عكس ركبتي البعير اللتين في يديه، فإنه يقوم عليهما، ولكن يُقدِّم زحزحته بـمؤخَّر رجليه عند القيام، قبل أن يمد يديه للقيام، فركبتاه مؤخَّرتان في القيام، والإنسان ركبتاه مقدمتان، وفي حالة النزول، ركبتا الإنسان مؤخَّرتان، وركبتا البعير مقدمتان) .
وبهذا يزول استشكال ابن القيم رحمه الله حين قال: (إن البعير إنما يضع يديه أولاً) فإنه حين أشكَل عليه المعنى لجأ إلى تأويل الحديث وصَرْفِه عن ظاهره، وشكَّك في الراوي بأنَّه وَهَمَ وقَلَبَ اللفظ، قال رحمه الله في زاد المعاد: (مما انقلب على بعض الرواة مَتْنُه وأصْلُه، ولعلَّه “ولْيضع ركبتيه قبل يديه”) قال الشيخ الملا علي القاري رحمه الله: (لو فُتح هذا البابُ لَـمْ يَبْقَ اعتمادٌ على روايةِ راوٍ مع صحَّته)
ثم إنَّ لِـحَديث أبي هريرةَ شاهدا من فِعْل ابن عمر، يؤكد أنَّ الراوي لم يَهِمْ، ذكره البخاريُّ في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم، وأخرجه الدارقطني بسند حسن، كما قال الحافظ ابن حجر، قال نافع: (كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه) قال الحاكم في المستدرك: (فأما القلْبُ في هذا، فإنه إلى حديث ابن عمر أَمْيَل، لرواياتٍ في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين) .
وتقديم اليدين يقدر عليه كلُّ الناس لسهولته، أما تقديم الركبتين فلا يقدر عليه إلا الشابُّ القوي، قال الحافظ ابن سيد الناس: (أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح من حيث الإسناد، وأصرح من حيث الدلالة، إذ هي قوليَّة، ولِـما تُعطيه قوَّةُ الكلام من التهجين في التشبيه بالبعير، الذي ركبته في يده، فلا يمكنه تقديم يده على ركبته إذا برك، لأنها في الاتصال بيده كالعضو الواحد)
أما في القيام من السجود، فلا يؤخرُ المصلِّي الركبتين كما يؤخِّرها البعير أثناء قيامه، ولصعوبة ذلك عليه غالبا، وإنما يُقدِّم ركبتيه في القيام ويؤخِّر يديه، قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه: لا يطيق تقديم اليدين في القيام إلا الشاب القليل اللحم، بخلاف البعير، فإنه يؤخر الركبتين في قيامه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
http://www.youtube.com/watch?v=cMVZelr2AuI
جواباً عن سؤال واستفسار طُرح على برامج التلفزة حول ما في المناهج الأزهرية من جواز أكل الميتة للمضطر
أقول :
هذا الكلام يشير إلى حالةٍ يصل المرءُ فيها إلى حالةٍ يَشتدُّ يتيقَّنُ فيها الموت من شدَّة الجوع، فيجدَ أنه مضطرٌّ إلى دَفْع الهلاك عنه بأكل شيءٍ محرَّمِ عليه، فالمضطرُّ يُباحُ له ما حَرُمَ عليه في الأحوال المعتادة، لقول الله تعالى في سورة البقرة: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وليس المقصود بالاضطرار الجوع الشديد، فهذا لا يُعَدُّ اضطراراً باتِّفاق الفقهاء، وإنما الاضطرار أن يخاف المرءُ على نفسه أنْ يَهلك، ولا يُشترَطُ كذلك أنْ يصير المرءُ إلى حالٍ يُشْرِفُ معها على الموت، فإن الأكلَ عند ذلك لن يفيده، فالأكل من الميْتَة أُبيحَ في حالِ الخوف من الهلاك .
وههنا أمرٌ آخر، وهو ألا يجدَ المرءُ ميتةً إلا آدميّاً، فهل يأكل منه؟ أو يمتنع فيعرِّض نفسه للموت، قال العلماءُ: له أن يأكل منه، وحيث جاز الأكلُ منه، لا يجوز التوسُّع بشيِّه ولا طبخه، نصَّ على ذلك الشافعية، قالوا لأن فيه هتكا لحرمة الميِّت .
وهنا مسألةٌ أخرى، تكلَّم عنها الفقهاء، رغم أنها لا تكادُ تقع، لا قليلا ولا نادراً، غير أنَّ حقَّ العلم يدفع الفقهاء إلى بيان أحكامها، وهي ما إذا لم يجد المضطرُّ إلا إنسانا مُهدَر الدَّم، أي إنساناً حَكَم القضاءُ عليه بالقتل، فصارَ مطلوباً للقتل، لجنايةٍ وَقَعَتْ منه، كمَن قتل رجلاً ثم هرب، أو أن يجدَ محارباً للمسلمين، فهل يعامَل هذا معاملة الميِّت، لأنه مُهدرُ الدم، باعتبار أنه يجبُ قَتْلُه، ومثال ذلك أن يَجدَ المضطرُّ مسلماً ارتدَّ، ووقف في صفِّ العدوِّ، ثمَّ حكم عليه القضاءُ عندنا بوجوب قَتْلِه، فإنه إنْ وَجدَه رجلٌ، وكان في حالة اضطرارٍ يخافُ الهلاك إن لك يأكل، ففي هذه الحالة يجوز له قَتْلُه وأكل ما يَدْفَع الهلاك عنه .
ويُلاحظ أن الشريعةَ الإسلاميَّة نَهَتْ عن قتل النساء والأطفال، غير أنهم إن إذا دخلوا بلادنا، أو استوطَنوها، صاروا بمنزلة المحاربين، كحالِ اليهود الذين احتلُّوا فلسطين اليوم، كلُّهم لهم حُكم العدوِّ المحارِب لنا، وكذلك مَن معهم مِن نسائهم وأطفالهم .
وأما تعليم الصغار هذه الأحكام، فلا أراه، ليس لأنه يَدْفَع أولادَنا للتطرُّف، فلا دَخلَ له في دَفْع الأطفال للتطرُّف، لكن لأنها أحكامٌ تتعلَّق بمسائل أكبر من عقولهم، وواجب المربِّين تربية الناس على صغار العلم قبل كباره .
كتبه
د . قيس بن محمد آل الشيخ مبارك