قال عضو هيئة كبار العلماء الدكتور قيس المبارك: "أَذن الله لعباده أن يختلفوا، بل إنه سبحانه قد جعل كثيراً من الأحكام الشرعية موضعاً للاختلاف، فاختلف الفقهاء في كثير من المسائل الشرعية، ولهذا الاختلاف حِكَمٌ كثيرة، غير أن الذي يعنينا منها هو أنَّ هذا الاختلاف لم يكن سبباً للخصومة أو التنافر، بل لا يجوز أن يكون سبباً لذلك، وهذا أدب نبوي وَرِثَه الصحابة الكرام مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توارثته أجيال المسلمين، فهذا الإمام أحمد - رحمه الله - كان يرى أن مَن احتجم أو رَعَفَ فقد انتقضَ وضوءَه، قيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ، هل تصلي خلفه؟ فقال "كيف لا أصلي خلف مالِك"، فقبول الخلاف أدب إسلامي رفيع، وخُلق كريم، فما أحوجنا إلى التخلق به".
وأضاف "إن مِن المصادمة لكتاب الله تعالى ولسُنَّة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم أنْ نجعلَ مِن الاختلاف في مسائل الفقه مادَّة للتخاصم والتدابر والمعاداة، وأشدُّ مِن ذلك أنْ نجعل مِن الاختلاف في قضايا تنظيمية أو إدارية أو سياسية سبباً للتخاصم، وأشدُّ من ذلك أنْ يزعم البعض أنه اطَّلَع على قلب الآخر واكتشف سوءَ نواياه، وأنَّ رأيَ فلان وراءَه خططاً غربيَّة أو شرقيَّة، نعم إن المطلوب من الفرقاء أن يذكرَ صاحب كلِّ رأيٍ رأيَه وحُجَجه مِن غير أن يسيء لغيره، فالحجَّة تقارع بالحجَّ، لا برفع الأصوات واتِّهام النيَّات، ومِن تلبُّس الشيطان بالبعض أن يقول بأنه من التغفيل أن نتعامل مع الآخر بحُسْن الظن، ولم يَدر هؤلاء أن المغفَّل هو مَن خالف شرع الله، فلم يكن من نهج نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلَّم أنْ يعامل الناس بسوء الظن، بل حتى في تعامله مع المنافقين الذين يعلم نفاقهم يقيناً بالوحْي، وهذا السلوك هو غاية الفهم والوَعْي، وهو شريعة الله التي سارَ عليها فقهاءُ المسلمين، والتي يجب أن ينقاد المجتمع كلُّه لها، فما أعظم جناية مَن يسعى لتفريق المجتمع وتشتيت الكلمة".