الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
دينُ الله هادٍ لمَن يُنيب

ذكرتُ في المقال السابق كيف أسلم بنو عبدالقيس، وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} قال أنسُ بن مَالك رضي الله عنه: (الملائكةُ أطاعوه في السماء، والأنصارُ وعبدُالقَيس أطاعوه في الأرض) ثم إن بني عبد القيس أرسلوا وفداً إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فساروا ومعهم سيِّدُهم المنذر بن عائذ العَبْدي، وهو الذي سمَّاه النبيّ-ُ صلى الله عليه وسلم- "الأشجّ" لِشَجَّةٍ كانت في وجْهِهِ، فلما دنوا من المدينة، وبينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحدِّثُ أصحابَه إذ قال: (يطلع عليكم من هذا الفجِّ ركبٌ من خير أهل المشرق) فقام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فتوجَّه نحو ذلك الوجْهِ فلقِيَهُمْ ورحَّبَ بهم، فَلما رأَوا رسول الله- صلى الله عليه- تسابقوا إليه، فمنهم مَن سعى سعيا، ومنهم مَن هرول هرولة، ومنهم مَن مشى، فسلَّموا وقعدوا، أما سيِّدُهم الأشجُّ فأناخَ الإبلَ وعَقَلَها، وطرح عنه ثياب السفر، ثم عمدَ إلى ثوبين كانا في العَيْبَةِ حَسَنَين فلبسهما، ثم أقبل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، يمشي على تُؤَدَةٍ، فلما دنا، أوْسَعَ القومُ له، وقالوا: هاهنا يا أشج، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: هاهنا يا أشج، فقعد عن يمين النبي- صلى الله عليه وسلم-، فرحَّب به، وقال له: فيك خصلتان يحبهما الله تعالى ورسوله، قال: وما هما يا رسول الله؟ قال: "الحلمُ والأناةُ" قال: أنا أتَخَلَّقُ بهما، أم اللهُ جَبَلَنِي عليهما؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: بل اللهُ جَبَلَكَ عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب اللهُ ورسولُه، ثم سأل عن بلاده، وسمّاها له قريةً قرية، فقال: بأبي وأمي يا رسول الله، لأنتَ أعلمُ بأسماء قُرانا مِنّا، ثم أقبل على الأنصار فقال: (يا معشر الأنصار، أكرموا إخوانَكم، فإنهم أشباهكم في الإسلام، وأشبه شيء بكم أشعارا وأبشارا، أسلَموا طائعين غير مكرَهين، ولا موتورين) ثم علَّمهم أركان الإيمان، ونهاهم عن المنكرات، وكانت صلاة الجمعة قد فُرضَتْ، فلما عادوا لبلادهم أقاموها، قال ابن عباس رضي الله عنه: (إنَّ أوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بعد جُمُعَةٍ في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، في مسجد عبدالقيس بجواثا) وحين ارتدَّتْ العرب، لم يرتدُّوا، قال الخطَّابي: (فلم يكن يُسجد لله سبحانه على بسيطِ الأرض، إلاّ في ثلاثة مساجد: مسجدُ مكة، ومسجدُ المدينة، ومسجدُ عبدالقيس بالبحرين، في جُوَاثا) فانظر أخي القارئ الكريم كيف ساقهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، بسوط الحبِّ إلى دين الله القويم، فلم ينظر إليهم بعين الرِّيبة والشَّك، ولا بعين الغطرسة والكبرياء، ولا التهديد والتخويف، فلم يَطرد أمَّةً من أرضها، ولم يحرق كنيسةً، كما فعل الصليبيون حين دخلوا فلسطين وأحرقوا اليهود داخل أحد معابدهم، فكان هدْيُهُ صلوات ربي وسلامه عليه، أنْ يتعامل مع غير المسلمين بليِّن القول، رجاءَ إسلامهم، ولم يكن ذلك تصنُّعاً، بل كان خُلُقاً بغير تكلُّفِ، فلم يكن منفِّراً من دين الله، بل كان قلبُهُ صلوات ربي وسلامه عليه، يَفيضُ حبَّاً لهداية الخَلْق، يتجلَّى ذلك في وجهه وفي سائر تصرُّفاته، وقد قيل: ما خامَرَ القلوبَ يَلوحُ أثرُه على الوجوه، وما تُكِنُّه الضمائر يلوحُ على السرائر، قال تعالى: (فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فدلائلُ الحبِّ تُعرَفُ في المُحِبِّ وإن لم ينطق بها لِسانُه: (دلائلُ الحبِّ لا تَخفَى على أحدٍ*** كحامل المسك لا يَخفَى إذا عَبِقَا) فهنيئاً لقومٍ خشعتْ قلوبُهم وأنابُوا لربِّهم، فقال فيهم: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ).

http://www.alyaum.com/article/4006096

دينُ الله هَدْيٌ كريمٌ لا فُحْشَ فيه

هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وكان التُّجار من سائر البلاد يَردون إلى المدينة، يبيعون ما يأتون به من بلادهم، ويشترون من المدينة ليبيعوه في بلادهم، وكانت الوفودُ تَفِدُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، فيستقبلهم ويقرِّبهم، وينزل كبيرهم وسيِّدهم المنزل اللائق به، وربما استقبلهم داخل المسجد، كما فعل مع وفد ثقيف، وكان مجتمع المدينة مفتوحا على غيره من الأمم، الكتابية منها وغير الكتابية، وكانت لليهود في المدينة سطوةٌ على المال، وهو أعظم سلاح يُستثمرُ لتحقيق الهيمنة الفكرية، وكانوا يخالطون المسلمين في الطرقات والبساتين والأسواق أخذاً وعطاءً وبيعاً وشراءً، كلُّ ذلك لم يُبِحْ للمسلمين أنْ ينقضُّوا على أموالهم بالسَّلب، ولا على أعراضهم بالثَّلب، فلم يَمنع المسلمون اليهودَ مِن عوائدهم الاجتماعية، ولا مِن اعتقاداتهم الباطلة، كان المسلمون يُدركون أن دين الإسلام ليس فيه ما يُستَحْيَى منه، وأنه كالماء الطهور، يُطهِّرُ ما يجري عليه، وأن الإسلام لا يُقبل إلا عن رضا وطواعية، فانفتاحهم على الآخر أعظمُ بابٍ لهداية الخَلق، يُساقُ الناسُ إلى دين الله بصفاء العقيدة، لا بقتلهم ولا بنهب أموالهم لتكون غنائم للدولة الإسلامية، لأن قلوبَ مَن ربَّاهم المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، ليست ممتلئةً حقداً ولا ضغينة على المخالفين، بل كانت قلوباً تحمل مشاعل هدايةٍ للناس جميعا، فهذا منقذ بن حِـبَّـان العَـبْديّ يسافر مِن جُوَاثَا، وهي موطنٌ لبني عبد القيس، وتقع الآن ضمن دائرة بساتين الأحساء الشمالية، ولم يبق منها سوى أثرٌ لثالث مسجدٍ بُنِيَ في الإسلام، ويسمَّى «مسجد جُوَاثَا» فيذهب في السنة الأولى من الهجرة، إلى المدينة مُـتَّجرا، قد أحضر معه شيئاً من الملاحف -وهي ما يُتدثَّرُ به، فيوضع فوق اللباس كالثوب والغترة وما شابهها- وشيئاً من التمر، فيلقاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو يمارس تجارته في سوق المدينة، فَيَبِشُّ فـي وجهه، ويسأله ملاطفاً له وموادِعاً: أمنقذُ بن حِـبَّان؟ كيف جميع هيئتك وقومك؟ فسأله عن أشرافهم رجلا رجلا، يسمِّيهم بأسمائهم، وسأله عن بلده الأحساء، وعن ما فيها من المياه والنخيل وأنواع التمور، يسمِّيها نوعاً نوعاً، وبعد أنْ آنَسَهُ صلوات ربي وسلامه عليه بالسؤال عنه وعن أهله، انصرَف وتَرَكَهُ لشأنه، فما كان مِن منقذ إلا أنْ انشرح صدره لهذا النبيِّ الكريم، فتوجَّه إلى أحد الصحابة الكرام، وسأله عن هذا الدين، فأخبره بحقيقة الإسلام وكيف يُسلِم، فذهب منقذٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن إسلامَه، وحين رجع إلى بلده رأتْهُ امرأتُه يصلِّي، فذهبتْ إلى أبيها، وهو خالُ زوجها، واسمه «المنذر بن عائذ بن حارث العبدي» وكان سيِّداً في بني عبد القيس، وهو الذي سمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم «الأشج» لِشَجَّةٍ كانت في وجهه، وقالت له: أنكَرْتُ بَعْلِي منذُ قدم مِن يثرب، رأيته يغسل أطرافه ويستقبل الجهة -تعني القبلة- فَيَحْنِي ظهرَهُ مَرَّةً، ويضع جبينَهُ مَرَّةً، ذلك دَيدنه منذ قدِمَ، فطَلَبَه وسأله إن كان قد صَبَأَ، وكانوا يقولون لمَن يُسلم صبأ، فأخبره بما رأى، وأن هذا الدين إنما هو مكارم الأخلاق وأنه أسلم، فوقع الإسلام في قلب المنذر، ثم ذهب المنذرُ إلى قومه، فجمعهم وأخبرهم بقصَّة منقذٍ وإسلامِه، فأسلَم في هذا الاجتماع خلقٌ كثير، فانظر أخي القارئ الكريم إلى الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صلوات ربي وسلامه عليه، كيف دلَّ على الله بحالِهِ قبل قالِه، وقد قيل: لا تصحبْ مَن لا يُنهضُكَ حالُه، ولا يدلُّك على الله مقالُه، وللقصة بقية في المقال القادم.

http://www.alyaum.com/article/4004674

عارٌ علينا أنْ نجعل من أحداث غزة سبباً للفُرقة

اتَّخذ اليهود من احتلال فلسطين سبباً لِلَمِّ شملهم، ليكون الاحتلال حبلاً يعتصمون به، بعد أنْ تفرَّقوا وتقاذفتْ بهم البلاد، وهو لَمُّ شملٍ ضعيفٍ لأمَّةٍ قلوبها شتَّى، وأقاموا مظلوميَّةً لعلَّها تؤلِّف بين قلوبهم، فاليوم التاسع من أغسطس اتخذه اليهود يومَ حدادٍ ومظلوميَّةٍ، فيبكون ويندبون انتظارا لخروج المخلِّص ماشِـيَّح، الذي يقولون إنه سيؤسس مملكة صهيون، وسيُهلك أعداء اليهود، وسيَبْنِي الهيكل المزعوم، فجعلوا من البكاء والتباكي سلوكاً يتعبَّدون به عند حائط البُراق الذي يزعمون أنه من بقايا الهيكل، فأساطيرهم تتنامَى ونُواحهم يتجدَّد ومزاراتهم تتولَّد، إلى أن يتم بناء الهيكل المزعوم، والذي لم يتَّفقوا على وجوده، فلم يبْنِ نبيُّ الله سليمان عليه السلام هيكلاً، وإنما جدَّد بناء المسجد الأقصى، فلأجل ما وقع مِن تدميرٍ للهيكل المزعوم اخترع اليهودُ فكرةَ المظلومية، ويلاحظ أنه لم يكن في القدس أحدٌ من اليهود قبل الإسلام، لأنها ليستْ أرضَهم، وإنما أتوها من مصر مكرَهين، وحين فتحها سيِّدُنا عمر رضي الله عنه طلب منه النصارى ألا يسمح لليهود بسُكْنى القدس، لسوء سيرتهم، غير أن المسلمين وقعَ منهم تسامحٌ، فسمحوا لليهود بدخولها بعد ذلك، وحين دخل الصليبيون إلى القدس، طردوهم منها، بل وأحرقوا مَن وجدوه من اليهود داخل أحد معابدهم، فلمَّا خلَّصها صلاح الدين، عادوا للقدس مرَّة أخرى، وكان عددهم قليلا، وزادوا حين طُرِدوا من الأندلس، وسمحت لهم الدولة العثمانية بالدخول إلى القدس، وأكثر مِن ذلك، ففي القرن السادس عشر الميلادي، أصدر السلطان سليمان القانوني، يرحمه الله، فَرَمَاناً سمح فيه لليهود بالصلاة عند الحائط الغربي، فمِن ذلك اليوم بدأ اليهود ينسجون الأساطير حول الحائط الغربي الذي لم يكن لليهود اهتمام به مِن قبل، فزعموا أنه بقية سور أورشليم، وأنه الجزء الخارجي للهيكل الذي رمَّمه هيرودوس، ودمَّره بعد ذلك القائد الروماني تيطس أو تيتوس سنة70م، في التاسع من أغسطس حسب التوقيت اليهودي، وكان تخريب بختَنَصَّر قبل ذلك، ويوافق أيضا حسب زعمهم التاسع من أغسطس سنة 586 قبل الميلاد، فلذلك جعلوه يومَ بكاء وعويل، إنَّ ما يحصل في فلسطين اليوم مِن احتلالٍ وظلم، ينبغي أن يكون لنا سببا من أسباب الوحدة بين المسلمين، لأن ما قام به اليهود ليس مجرَّد احتلالٍ لأرض، بل هو أيضاً اعتداءٌ على مقدَّساتنا، فلا غرابةَ أن تكون قضيةُ فلسطين عنواناً لوحدتنا، فوا عجباً لنا كيف جعلْنَا ممَّا يحدث اليوم في غزَّة باباً من أبواب النزاع والشقاق، والله تعالى يقول: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) عارٌ علينا أن يرمي الأخُ أخاه بأنه يتاجرُ بدماء الشعب في سبيل نصرٍ موهوم! وعارٌ كذلك أن يتَّهم الأخُ أخاه بمؤازرة اليهود، أين هذا من خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان همُّه هداية الخلق، فحين قيل: يا رسول الله ادعُ على المشركين قال كما في صحيح مسلم: (إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة) وقال حين أمْكَنَهُ اللهُ منهم وقد فعلوا أسوأ ما يمكن أن يفعله بشرٌ في حقِّ نبيِّ كريم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) إنَّ وسيلة الدعوة إلى الله تعالى يجب أن تكون موافقةً لشرع الله، فلسْنَا أغْيَرُ من الله، ثم إنَّ مَن زلَّ لسانُه وغوَى قلمُه، بمسيس الحاجة إلى أن نترفَّق به، ونأخذ على يده، لا أن نفتنه في دينه، فلا يجوز أن نعين الشيطان عليه، فخَطَرُ الفتنة يعمُّ كما قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)

http://www.alyaum.com/article/4003614

العمل خيرٌ من البكاء والتباكي على فلسطين

أقلُّ واجب علينا نحن المسلمين، أن نعلم أن قضية فلسطين قضيةٌ واضحة وعادلة وناجحة، فاحتلال اليهود لأرضٍ ليستْ لهم، مسألةٌ لا يختلف فيها اثنان، وما كانوا هم ليزعموا ذلك، فكانت فلسطين واحدةً من خياراتٍ أخرى أمامهم، ثم وقع الاحتلال عليها، وربما لأنها الخيار الأيسر لهم يومَها، والذي يعنيني في هذا المقال، هو أننا فرطنا في فلسطين، بثلاثة أشياء، الأول أننا ابتعدنا عن ديننا، ففَشَتْ في بلادنا المعاصي، وما أظن أنَّ ما أصاب أمَّتنا من احتلالٍ، ومن ضَعفٍ أمام أمم الأرض، إلا عقوبةً على ما فَرَطَ مِنّا مِن ذنوب، والثاني أننا قابلْنا هذا الاحتلال بالاستسلام، بالتنازل والرِّضا بجزءٍ يسيرٍ من الأرض، فظهرَ للعالَم كلِّه أننا نُساوِم على أرضٍ لغيرنا، والثالث أننا لم نحسن عرضَ قضيَّتنا في المحافل الدولية، ولو على مستوى الأفراد والمؤسسات، وسأعرض في هذا المقال خلاصةً لعلها تُجلِّي الحقيقة، فالمسجد الأقصى بناه أبونا آدمُ عليه السلام، بعد أن بنى الكعبة والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى ليس محصوراً في المسجد القِبْلِي الذي بناه سيدنا عمر رضي الله عنه، بل هو شاملٌ لساحة المسجد كلِّها، فهو كلُّ ما كان داخل السور، وبوَسَطِه فقبةُ الصخرة المطهرة، فهو أشبه بمربَّع غيرِ منتظم الأضلاع، فطوله من الشمال للجنوب 490مترا تقريبا، وعرضه من الغرب للشرق300متر تقريبا، فمساحته 144000متر تقريبا، فهو مُتعبَّدٌ للناس جميعاً، قبل أن يخلق اللهُ اليهود، بعد الطوفان جدَّد سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام بناءه، وبعدها بألف عام، أوصى نبيُّ الله داودُ ابنَه سليمان عليهما السلام أن يُجدِّد بناءه، وبقي البناء قائماً إلى أن خرَّبه بختَنَصَّر سنة 586 قبل الميلاد، ، وإليه يشير كلام الله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) ثم خرَّبه الرومان سنة 134م، ثم إن اليهود بلغ بهم القُبْح والفساد أنْ جعلوا الموضع الذي يزعمون أنه قبرَ سيدنا عيسى عليه السلام ومكان صَلْبه، جعلوه موضعاً لِرَمْي الأوساخ والنجاسات، فلمَّا جاءتْ الملكة هيلانا أم قسطنطين البيزنطي في القرن الرابع الميلادي، انتقمَتْ من اليهود، فأمَرَتْ بإزالة ما بقي من أطلال المسجد، وأخْلَتْه من البناء، ثم جعلتْهُ مزبلةً تُرمَى فيها القُمامة، ثم عمَدَتْ إلى الموضع الذي تظنُّه قبرَ المسيح عليه السلام، فَبَنَتْ عليه كنيسةً سنة 335م تقريبا، وهي التي تُسمَّى كنيسة القبر المقدَّس، وكذلك جرى عليها اسم كنيسة القيامة، لأنّهم يعتقدون أنَّ مِنها سيقوم المسيح، وتُسمَّى كذلك كنيسة القُمامة، نظراً لِمَا كانت عليه موضعاً لرمْيِ القمامة، وهكذا بقي موضعُ المسجد خالياً من البناء إلى أن دخل سيدنا عمر رضي الله عنه القدس، فرأى الزِّبْلَ وقد انحدَرَ على دَرَج الباب، ورأى الصخرة المطهَّرة وقد عَلَتْها كُومةٌ من القُمامة، فأمر بإزالة ما عليها من الأوساخ، ثم مضى إلى جهةٍ من ساحة المسجد وبنى المسجد فوق المسجد الأول، فاليهود لا شأن لهم بفلسطين، ولم تكن أرضاً لهم، وإن رجعنا للتاريخ، فالمؤرخون يؤكِّدون أن اليَبُوسيين، أحد بطون العرب نزحوا إلى فلسطين مع القبائل الكنعانية وبَنوا مدينة القدس، ومن أجل ذلك سمِّيَتْ يَبوس وأرض كنعان، وأكثرُهم أسلَم بعد الفتح الإسلامي، ولم تقم لليهود في القدس دولةٌ إلا خلال حكم نبيِّ الله داود وسليمان عليهما السلام ولمدَّة 70 عاما، وذلك من سنة 1000 قبل الميلاد حتى سنة 928 قبل الميلاد، أليس من القصور أن يرى العالَمُ أجمع، كيف يُعتدى على شعبٍ أعزل، فيُؤتَى بقوم شُذَّاذ آفاق، لم تقبلهم أرضٌ، ولم يسلم من غدرهم أحد، فيستولون على أرضِ غيرهم، ويُهجِّرون نساءها ورجالها، ومَن يَبقى يُعامل بأدنى من معاملة المواطن، لقد صار العالَم أشبه بقريةٍ واحدةٍ، يتجاورُ الناسُ فيها، ويَدري كلُّ واحدٍ منهم بحال الآخر، فما أيسر على مؤسساتنا الإعلامية والثقافية والسياسية، أن تجاهدَ بأضعف صور الجهاد، فتعقد الندوات في بلاد الشرق والغرب لتبصير المجتمعات غير المسلمة، بل لتبصير أفراد المسلمين الذين لا يعلمون حقيقة قضيَّة فلسطين، فهذا خيرٌ من الضجيج الإعلامي، ومن البكاء والتباكي فيما بيننا .

http://www.alyaum.com/article/4002673

الخلافةُ ليستْ اعتداءً وانتزاعاً للبيعة بالقهْر والغَلَبَة

ذكر الأصوليون أن بيان الحقيقة يَكشفُ مُقابِلَها، فبضدِّها تتميَّزُ الأشياءُ، فرأيت أن ألخِّصُ في هذا المقال حقيقة بيعة الخلفاء الراشدين.

فحين توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأى المسلمون أن أوجبَ الواجبات عليهم في تلك الساعة أن يختاروا رأساً يرجع إليه تدبيرُ شؤونهم، فقدَّموا اختيارَه على دفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة يتشاورون حول من يجتمعون عليه، إلى أنْ بدأت النفوس تميل إلى اختيار أبي بكر - رضي الله عنه - فبايعوه جميعُهم أحسنَ بيعة وأجملَها، كما قال الصحابيُّ الجليل سالمُ بن عبيد.

وحين مرضَ سيِّدُنا أبوبكر الصدِّيقُ - رضي الله عنه - اجتمع الصحابة فقالوا : يا خليفة رسول الله أنت خيرُنا وأعْلَمُنا فاخْتَرْ لنا، فقال: أقيلوني، فقالوا له: لا نُقِيلُك، فقال: (سأجتهد لكم رأيي وأختار) فأرسل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعرض عليه الأمر، فقال عمر : لا حاجة لي بها.

فقال أبو بكر : (لكن بها إليك حاجة، والله ما حَبَوتُك بها ولكن حَبَوتُها بك) فاختار لهم عمرَ بن الخطاب، فَبايَعوه، ولم يُــبْــدِ أحدٌ منهم إنكاراً، وقد عُرفوا بالصَّدْعِ بالحق والتصريح به.

ومما قاله سيد الشجعان عليُّ بن أبي طالب للفاروق رضي الله عنهما: (ما خَلَّفْتُ أحداً أحبَّ إليَّ أنْ أَلْـقَـى اللهَ بمِثْلِ عَمَلِهِ مِنكَ، وأيمُ الله إنْ كنتُ لأظنُّ أنْ يجعلك اللهُ مع صاحبيك، وحَسِبتُ أنِّي كنتُ كثيراً ما أسمعُ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) يقول: ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر، ودخَلْتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجْتُ أنا وأبو بكر وعمر).

وحين كان الفاروق على فراش الموت جاءَه الصحابة الكرام، وقالوا له: استخْلِفْ، قال: (أَحْتَمِلُكُم حيَّاً وميِّتاً! حظِّي منكم الكَفاف، لا عَليَّ ولا لي) فألحُّوا عليه، فقال: (إنْ أَستَخْلِف فقد اسْتخْلَفَ مَن هو خيرٌ مني، وإنْ أترُك فقد ترَك مَن هو خيرٌ مني.

إنَّ الأمر أمرُكم، أنتم شهود الأمَّة، وأهلُ الشورى، فمَن رَضِيتم به فقد رَضوا به، هل تعلمون أحداً أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاء الستة النفر الذين مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو عنهم راض، قالوا: لا، قال: فإني أرى أنْ نجعل ذلك بهم، فيؤمِّروا أحدَهم قالوا: فقد رأَيْنَا ذلك وجعلناه إليهم) ثم إنه سمَّى ستَّةً ممَّن بقي حيَّاً من العشرة المبشرين بالجنَّة، وهم عليٌّ وعثمان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف، ولم يُسمِّ السابع وهو ابن عمِّه سعيد بن زيد، لألا يُدخلَ قرابتَه.

ثم اجتمعوا يتشاورون، واستشاروا الناس، فلم يتركوا أحداً من المهاجرين والأنصار إلا واستشاروه، حتى سألوا الصبيان، ثم خرج عبدالرحمن بن عوف بعثمان وعليٍّ - رضي الله عنهما - إلى المسجد، وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والانصار، فامتلأ المسجد حتى غصَّ بالناس، ثم صعد المنبر ودعا، ثم أَمسكَ عبدُالرحمن بيد عثمان وبايعه، ثم بايعه عليٌ - رضي الله عنه - ثم بدأ الناسُ يتتابعون ويزدحمون على مبايعة عثمان، قال سيفُ بن عمر : (لمَّا بايع أهلُ الشورى عثمانَ خرج وهو أشدُّهم كآبة) لِعِظَم الأمانة.

وحين قُتلَ سيدُنا عثمان - رضي الله عنه - جاء الناسُ يهرعون إلى سيدِنا عليٍّ - رضي الله عنه - فقالوا له: نبايعك، فأعرض قائلاً : (دعوني والتمِسوا غيري، أكونُ وزيراً خيرٌ مِن أنْ أكونَ أميراً) فقالوا : نَنشدك الله، ألا ترى الفتنة، فأجابهم: (لا تَعجَلوا فإنَّ عمرَ كان رجلاً مباركا، وقد أوصى بها شورى، فأمْهِلوا يجتمع الناس ويتشاورون).

فجاء أهلُ بدر فقالوا: (ما نرى أحداً أحقَّ بها منك) فبايَعوه مِن غير سعْيٍ منه إليها، ولا طمعٍ فيها - رضي الله عنه - فبايعه جمهور الصحابة يومئذٍ، وانقادوا له، ولم يجحد بيعتَه أحد، وما وقعَ مِن فِتَنٍ بعدها، فإنما وقع لأمور أخرى، ليس هذا موضعها، فأين هذا الورع العظيم، والتَّقوى والخوف من الله، مِن جماعةٍ خرجتْ على أمَّتها وبَغَتْ عليها، تُرهب الناس بأعمالها، ولا ترحمُ في كبير السِّنِّ شَيْبَتَه؟!

http://www.alyaum.com/article/4001584

عضو هيئة كبار العلماء د.المبارك لـ(الجزيرة): من الجناية على الدين أن نجعل من الجهاد سفكاً للدماء وقتلاً للأبرياء

الجهاد في الإسلام منزلةٌ رفيعة، وخُلقٌ عظيم، لهُ شروطه وواجباته وآدابه ومن الجناية على دين الله أن نجعل منه سفكاً للدماء وتقتيلاً للأبرياء وشدد في هذا الصدد على أن ليس من دين الله عز وجلَّ أن تهجم على مواطن أو أنْ تَصفَهُ بأنه مرتد! ثم تعذِّبه وتضربه بالسياط، ثم تقتله.

وأضاف عضو هيئة كبار العلماء متسائلا: أهكذا كان الصحابة الكرام؟ إنَّ مَن يفعل هذا يُسمَّى قاتلاً ولا يُسمَّى مجاهداً، ألَم يَقُلْ سيِّدُنا أبوبكر الصديق لمن أرسلَهُم للجهاد: (لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تَغُلُّوا، وأصلِحوا وأَحْسِنوا إن الله يحب المحسنين) وقد أجمعَ العلماءُ على القول بهذا، كما قال ابن عبد الأبرَّ، إن شريعةَ الله بريئةٌ من قومٍ يستغلُّون براءةَ الشباب والإحباط الذي يعيشونه، فيتصيَّدونهم، ويختطفونهم من آبائهم، ليُزَجُّوا بهم حَطَباً في معارك لا يعرفون غايتها، لافتا في هذا السياق إنَّ من القواعد المتفق عليها عند أهل السُّنة أنَّ المكلَّفَ لا يَجوز له أنْ يُقْدِمَ على فعلٍ حتى يعلم حُكْمَ الله فيه، فليس الجهادُ مجرَّدَ حَمْلٍ للسلاح ولا إلقاءٍ بالنفس إلى التَّهلكةِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ كلُّ مَن ذهب لبعض الدول أو لغيرها، ولْيَتعلَّم أحكام الجهاد، ليعرف متى يجوز ومتى يجب، ومتى يحرم عليه الذهاب، وإلا فقد يكون آلةً لحربِ الإسلام من حيثُ يدري أو لا يَدري.

http://pda.al-jazirah.com/2014/20140708/ln5.htm