الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ
أعلام الأحساء من تراث الأحساء
 
من بديع حكم الزكاة

شرع الله الزكاة لحكم جليلة ومعانٍ نبيلة، ومن يتأمَّل في معاني الزكاة يتجلَّى له أن الزكاة تطهِّر المال وتنمِّيه حسّاً ومعنى، فهي تطهير للمال لأن ثروة أصحاب المال مصدَرُها المجتمع، فثروة الغني حصل عليها مِن عامة أفراد الشَّعب وبسطائهم، فهم سبب ثرائه، فكان واجباً على الأغنياء من التجار وأصحاب المال أن يُنَقُّوا أموالَهم بردِّ شيء مِن الجميل للناس، ويتأكَّد على التاجر أنْ يُطهِّرَ مالَه إذا عَلِمنا أنَّ كثيراً من معاملاته التجارية لا تَسْلَم مِن حصول غبْنٍ أو غررٍ ولو يسيرٍ، وفي كثير من الأحيان يكون الغرَرُ غيرَ مقصود، وهذا شأن عقود التجارة، فمَبْناها على المشاحَّة والمُحاقَّة، فكلا الطرفين يُغالِبُ صاحبَه، من أجل أنْ يُحصِّلَ حقَّه كاملاً غير منقوص، والمشاحَّة لا تخلو مِن غلَبَةِ أحد الطرفين، ذلك أنَّ كلاً مِن البائع والمشتري يريد أن يَربح لا أن يُغلَب، ثم إنه قد يقعُ من البائع إهمالٌ في بيعه، فيبيع سلعةً معيبةً على أنها سليمةٌ، غفلةً منه، وأشدُّ من هذا أن يقع ذلك من بعض الناس بقصدٍ للغشِّ، والعياذُ بالله.
وصُوَرُ الخطأ والإهمال والتقصير والغشِّ من البائع كثيرةٌ جداً، وتتنوَّع بسبب تنوِّع البضائع واختلاف طرق البيع، ثم إنَّ هذا الغرر الذي يقع من التُّجَّار، رغم كثرته بسبب صوره، فإنَّ تَقْليلَه والتخفيفَ منه ممكنٌ حين يكون التاجر شديد الخوف من الله، شديد المراقبة لنفسه، غير أنه مما يَعسُرُ التحرُّز منه، فلا يكادُ يَسلَمُ أحدٌ من التُّجار من الوقوع فيه، مهما بالَغُوا في الاحتياط في معاملاتهم.
فكان من رحمة الله بعباده أنْ فتحَ لهم باباً لتطهير أموالهم مما يخالطها من زيادةٍ بغير وَجْهِ حقّ، وهو باب الزكاة، فمقدار الزكاة بمنزلة تطهير المال، ليكون مالُهُ طيِّباً، غيرَ مشوبٍ بشائبة إثمٍ أو ذنب، والزكاةُ ليست عطيَّةً يَخُصُّ بها الرَّجلُ شخصاً معيَّناً، على سبيل المحبَّة والتَّوادِّ، وإنما هي تطهيرٌ للأموال وتكفيرٌ للذنوب، ولا يقترنُ بها إحسانٌ لفقيرٍ يَخُصُّهُ الغنيُّ بهذا المالِ، فالزكاةُ إذا أعطاها الغنيُّ لأيِّ فقيرٍ صحَّتْ منه، فهي واجبةٌ في حقِّ الغنيِّ لأيِّ مُستَحِق، ولا يُشتَرَطُ فيها أنْ تُدفع لفقيرٍ بعينه، فهي حقٌّ يُدفع لأحد الأصناف الثمانية من غير تعيين لصنف من الأصناف ولا لفقيرٍ بعينه، فالزكاة تُطَهِّرُ أَنْفُسَ أصحاب رؤوس الأموال من شُحَّها وبخلها، وتُطَهِّرُ أموالَهم من إثم جمعها وكنزها، فهي تنميةٌ للمال وزيادةٌ فيه، لأنَّ مَن تُدفع لهم الزكاة، هم من أشدِّ الناس احتياجاً إلى المال، لِدَفْعِ ضروراتهم، من غذاء أو كساء أو سكن أو دواء، ولذلك فإنهم لِمَسيس حاجتهم، سيبادرون بالذهاب بها مباشرة إلى السوق، لشراء حوائجهم وضرورياتهم، ولا يُتوَقَّع منهم أنْ يكنزوها في جيوبهم، وإنما الذي يكنزُها هو مَن لم تُلْجِئه الحاجة إلى صرفها في سدِّ جَوعَته.
فمن بديع حكمة الزكاة، أنَّ المزكِّي إذا الْتَزَمَ شروطَها، ومِن شروطها أن يدفعها لمستحِقِّها، فإنها لن تبقى في جيوب مستحقِّيها، بل ستتحوَّل مباشرة إلى السوق، ثم إنها لن تتشتَّت في جميع الأسواق، فلن تُستَهلك في السلع الترفيهية، أي أنها لن يضيعَ قرشٌ منها في المطاعم الفاخرة، أو المتاجر الفارهة، وإنما سَيُنتفع بها في أسواق السلع الضرورية، مِن مأكلٍ ومشربٍ وملبس، وبهذا فإنَّ مالَ الزكاة، رغم قلَّتِه ويسارَته، فإنه إذا نزل في أسواق السلع الضرورية، فإنَّ العائدَ منه سيحيي هذه الأسواق ويُنشِّطها، فلك أخي القارئ أن تتصوَّر عظيم أثر الزكاة رغم يسارَة قدْرها.


http://www.alyaum.com/News/art/148322.html

اليوم - السعودية - 2014/06/29

هل يمكن اعتماد الحساب لدخول الشهر

فضيلة الدكتور قيس بن محمد ال الشيخ مبارك
هل يمكن اعتماد الحساب لدخول الشهر

سير القمر دقيقٌ جداً، فلا ينخرمُ أبدًا كما قال تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) والشارع الحكيم عوَّل في ثبوت دخول الشهر على رؤية الهلال، فالرؤيةُ أمرٌ مشهود محسوس، وصورته واحدة وهي المشاهَدة، وهي يسيرةٌ على عموم الناس، ولم يأمرنا الشرع الشريف بالحساب، لأن الأخذ به غير ممكن، لتعدُّد صُوَرِه، فاختيارُ صورةٍ منه دون غيرها تَـحَكُّمٌ لا يُصارُ إليه إلا بمرجِّح، فاختيار طريقة من هذه الطرق دون غيرها لن يكون محل اتفاق، فهل يَدخل الشهر استناداً إلى عمر القمر، أو استناداً إلى مكث القمر، أواستناداً إلى عمر الاستطالة، وكلها صورٌ حسابية دقيقة، لكنْ بِأَيِّها نأخذ؟ هذا ما يجعل الأخذ بالحساب غير ممكن، ومن صور الحساب كذلك ما أخذت به ليبيا أيام القذافي، وهو أنه إذا حدث المحاق قبل الفجر، كان اليوم التالي هو بداية الشهر، وإلا كان هو اليوم المتَمِّم للشهر، والأخذ بهذه الصورة لا يزيل لبساً ولا يرفع خلافاً، بل يورثُ إشكالاً آخر، ففجر أي مدينةٍ نعتمد؟ إذا حدث المحاقُ آخر شعبان، وكان الوقتُ قبيل الفجر في العاصمة طرابلس، فإنه يجب الصيام على مَن كان فيها ومن كان في غربها، ولا يصح الصيامُ لِمَن كان شرقها كبنغازي ومِصْرَاتَة، لأن المحاق حدث بعد طلوع الفجر عندهم، وبذلك يصوم مَن كان في طرابلس أوغربا عنها في يوم، ويصوم مَن كان شرق طرابلس في اليوم الذي يليه، ويصوم مَن كان شرق بنغازي في اليوم الذي يليه، فكان من حكمة الشرع الشريف أن اختار لنا طريقة غايةً في الوضوح والدقة، فيدخل الشهر في الشرع من لحظة الرؤية، ورخَّصَ في قبول عدلين يشهدان على رؤية الهلال، لكن جعلَ شَرْطَ قبول شهادتهما أنْ يُرى في الزمن الذي يمكن أنْ يُرى فيه في موضعه، ذلك أنَّ من واجبات القاضي أنْ يَتثبَّت مِن نظر الشاهد وحدَّة بصره، ومن معرفته بمطالع القمر ودرجة ارتفاعه فوق الأفق وانحرافه في الأُفق، فيُشترط فيمن يشهد أن تخلو الشهادة عمَّا يوجب اسقاطها، فيشترط فيها ما يشترط في عموم الشهادات، كما قال أبو الوليد الباجي:(فَيُعتبر فيه من صفات الشهود ما يُعتبر في سائر الشهادات) ومن الشروط ألا تُخالفُ الشهادةُ المقطوعَ به، فلا تقبل شهادة مَن رأى الهلال قبل ولادته فلكياً، وكذلك يجب أن تخلوا الشهادة عمَّا يوجب إسقاطَها من موجبات إسقاط الشهادة، وهذا يعني أنه يقدحُ في شهادة الشاهد كلُّ أمرٍ تَسقط به الشهادة، فتُردُّ الشهادةُ إذا فَقدَتْ صفةً من الصفات الواجبة فيها، وتُردُّ الشهادة كذلك إذا خالَفَت المشهودَ المحسوس، فَشَرْطُ المشهودِ به إمكانُه شرعاً وعقلاً وعادة، قال العلامة شهاب الدين أحمد بن قاسم العبَّادي الشافعي: (إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤيته، لم يقبل قول العدل برؤيته، وتُردُّ شهادتهم بها) ذلك أنَّ للقاضي أن يَرُدَّ الشهادة بعلمِه إذا عَلم بُطلانَها أو مخالفتها للحس، قال ابن عبد البر: (وأجمعوا أيضا على أنه إذا عَلِمَ أنَّ ما شَهِدَ به الشهودُ، على غير ما شَهِدوا به، أنَّ القاضي يُنْفِذ عِلْمَه في ردِّ شهادتهم، ولا يقضي بشهادتهم، ويردَّها بعلمه) وقال تعليقا على حديث "فَإِنْ غُمَّ عليكم فأكملوا الْعِدَّةَ ثلاثين": (وفـيه أن الـيقـين لا يزيلـه الشك، ولا يزيلـه إلا يقـينٌ مثلُـه، لأنه أَمَرَ الناسَ ألا يَدَعوا ما هُمْ علـيه مِن يقـينِ شعبان، إلا بـيقـينِ رؤيةٍ واستكمال العدَّة، وهذا أصلٌ عظيم من الفقه، أنْ لا يدع الإِنسانُ ما هو علـيه مِن الـحالِ الـمتـيَقَّنة، إلا بـيقـينٍ مِن انتقالِـها) فلو زعم أحدٌ أنه رأى الهلالَ قريبا من كبد السماء، أو منحرفًا إلى غير جهة المغرب، أو قبل المحاق كاليوم السابع والعشرين، فهذا يُحكم ببطلان شهادته، لأنه واهمٌ قطعاً إنْ كان ثقةً وعدلًا، فمطْلَعُ القمر هو الغرب وليس كبد السماء، كما أن زمن رؤيته بعد المحاق بعدَّة ساعات وليس قبله، فهذا الشاهدُ إنْ كان صادقًا، فقد يكون رأى نجمًا آخر أو كوكبًا غير الهلال، أو شعرةً في عينه، أو غير ذلك، فالعين قد تُري الإنسانَ ما لا حقيقة له، وأذكر هنا حكايةً تلخِّصُ لنا اللغط الذي يكثر مع بداية كلِّ رمضان، ومع إقبال كلِّ عيد، وهي ما حكاه ابنُ خلكان في تاريخه: (تراءى هلالَ شهرِ رمضان جماعةٌ فيهم أنسُ بن مالك رضي الله عنه، وقد قارب المائة، فقال أنسٌ: قد رأيتُه، هو ذاك، وجعل يشير إليه، فلا يَرونه، ونظر إياسٌ إلى أنس، فإذا شعرةٌ مِن حاجبه قد انْثَنتْ، فمسَحها إياسٌ، وسوَّاها بحاجبه، ثم قال له: يا أبا حمزة، أَرِنا موضع الهلال، فجعل سيُّدنا أنسٌ ينظر ويقول: ما أراه! وإلى هذا المعنى أشار القاضي أبوبكر بن العربي رحمه الله بقوله: (إن الشاهدَ إذا قالَ ما قامَ الدليلُ على بطلانه، فلا تُقبل شهادتُهُ) ورؤية الهلال مغرب يوم الجمعة القادم27يوليو، ممكنةٌ حسب كلام الفلكيين، في أمريكا اللاتينية فقط، أما بقية العالم فلن يُرَ الهلال إلا مغرب السبت، واستنادا إمكانية الرؤية فقد أعلن المجلس الأوربي للإفتاء أن أول رمضان هذا العام هو السبت28يوليو، لأن الهلال رؤيَ في جزء من الأرض، استناداً إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع، فالمجلس الأوروبي يكتفي بإمكانية الرؤية وإن لم يَرَ الهلالَ أحدٌ، والاعتماد على إمكانية الرؤية من غير رؤيةٍ ومشاهدة، قولٌ أراهُ شاذّاً ولا يُعوَّل عليه، فالواجب أن نتحرَّى الهلال مع غروب شمس يوم السبت، فإن رآه الناس فقد دخل رمضان الأحد، والله أعلم .

شهادة سيدنا أنس بن مالك على رؤية الهلال

اقتَضَتْ حكمةُ الله تعالى أن يُجْريَ الشمس والقمر على نِظَامٍ وَاحِدٍ بسير منتظم ودقيق، فالقمر يجري في فلك خاص به، ويسير سيراً سريعاً حول الأرض من الغرب نحو الشرق، فيقطع ثمانية وعشرين منزلا في دورةٍ ذكر الفلكيون أنها غاية في الدِّقة:29,5306يوما، وإلى هذا يشير بيان الله تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي هما ذو حساب لا ينخرمُ أبداً كما قال المفسِّرون، وهذا هو سبب اختلاف الشهور، فشهرٌ: 29 وشهر:30، وبيان ذلك أن القمر في نهاية كلِّ دورةٍ يُـحاذي الشمسَ ويصير بينها وبين الأرض، فيكون في طورٍ يسمَّى الاقتران، لأنه قارنَ الشمس والأرض على خط مستقيم، وصار وجهُهُ المقابل لجهة الشمس منيراً لانعكاس أشعة الشمس عليه، ويكون وجهُهُ المقابل لجهة الأرض مظلماً، فيقال: امَّـحَق الهلال، أي اختفى فلا يُرى منه شيء، ثم يبدأ القمر في مفارقة الخط المستقيم بين الأرض والشمس، فيخرج عن طور اجتماعه معها ومع الأرض على مستوى سطح واحد،
فيتحرَّك شرقاً لينتقل من طور المحاق إلى طور الهلال، ذلك أنه ينعكس مِن الجزء الذي أصابته أشعَّةُ الشمس نورٌ يُرى مِن الأرض على شكل عُرْجُونِ النخلة الرفيع، ويُسمَّى حينها هلالا، ويزداد اتِّساع النور المنعكس من القمر كلَّما ازدادتْ مفارقة القمر للخط المستقيم بين الأرض والشمس، حتى يكتمل بعد أربع عشرة ليلة فيصير قمراً منيراً، ويسمَّى بدراً، ثم يعود لإكمال دورته، فيبدأ النور في التناقص مع اقتراب القمر من خط الشمس مع الأرض، حتى يعود بعد أربع عشرة ليلة أخرى إلى مرحلة المحاق، فالشهرُ في اصطلاح الفلكيين يبدأ من لحظة مفارقة القمر للخطِّ المستقيم مع الأرض والشمس، أي من اللحظة التي تلي المحاق، فهي لحظة ولادته، أما الشهر في الشرع فيبدأ من لحظة الرؤية، والرؤية تكون ممكنة بعد المحاق بزمنٍ اختلف الفلكيون في ضبطه، لكنهم اتفقوا على أنَّ أقلَّ زمنٍ رُؤيَ فيه الهلالُ خمس عشرة ساعة تقريبا، وكلما قلَّ زمن المفارقة، أي عُمر القمر، كانت الرؤية أصعب، لقرب القمر من الخط المستقيم مع الشمس، فيكون انعكاسُ نورِهِ على الأرض أضعف، فتصعب رؤيتُه، وقد تتعذَّر إذا كان عمر القمر ست ساعات، كما هو الحال بعد غروب شمس يوم الاثنين القادم، حيث يكون المحاقُ بعد الظُهْر، بخلاف الثلاثاء حيث ستكون الرؤيةُ واضحةً جداً، ومن رحمة الله بعباده أنْ رخَّص في قبول عدلين يشهدان على رؤية الهلال، لكن شرط قبول شهادتهما أنْ يُرى في الزمن الذي يمكن أنْ يُرى فيه في موضعه، ذلك أنَّ من واجبات القاضي أنْ يَتثبَّت من نظر الشاهد وحدَّة بصره، ومن معرفته بمطالع القمر ودرجة ارتفاعه فوق الأفق وانحرافه في الأُفق، فيُشترط فيمن يشهد أن تخلو الشهادة عمَّا يوجب اسقاطها كما إذا كانت الرؤيةُ مستحيلةً عقلاً أو عادة، فلو زعم أحدٌ أنه رأى الهلالَ قريبا من كبد السماء، أو منحرفاً إلى غير جهة المغرب، أو قبل المحاق كاليوم السابع والعشرين، فهذا يُحكم ببطلان شهادته، لأنه إنْ كان ثقةً وعدلاً، فلا شك في أنه واهمٌ، فمطْلَعُ القمر هو الغرب وليس كبد السماء، كما أن زمن رؤيته بعد المحاق بعدَّة ساعات وليس قبله، فهذا الشاهدُ إنْ كان صادقاً، فقد يكون رأى نجماً آخر أو كوكباً غير الهلال، أو شعرةً في عينه، أو غير ذلك، فالعين قد تُري الإنسانَ ما لا حقيقة له، وأذكر هنا حكايةً تلخِّصُ لنا اللغط الذي يكثر مع بداية كلِّ رمضان، ومع إقبال كلِّ عيد، وهي ما حكاه ابنُ خلكان في تاريخه: (تراءى هلالَ شهرِ رمضان جماعةٌ فيهم أنسُ بن مالك رضي الله عنه، وقد قارب المائة، فقال أنسٌ: قد رأيتُه، هو ذاك، وجعل يشير إليه، فلا يَرونه، ونظر إياسٌ إلى أنس، فإذا شعرةٌ مِن حاجبه قد انْثَنتْ، فمسَحها إياسٌ، وسوَّاها بحاجبه، ثم قال له: يا أبا حمزة، أَرِنا موضع الهلال، فجعل سيُّدنا أنسٌ ينظر ويقول: ما أراه! ) وإلى هذا المعنى أشار القاضي أبوبكر ابن العربي رحمه الله بقوله ان الشاهدَ إذا قال ما قامَ الدليلُ على بطلانه، فلا تُقبل شهادتُهُ .

http://www.alyaum.com/News/art/87536.html
صحيفة - اليوم - السعودية

السُّؤدَدُ في السَّوَاد

إمتاع الأسماع بسيرة النبيِّ المطاع" كتابٌ لطيفٌ، كتبه الشابُّ النجيب عبدالرحمن بن محمد الجمعان، كتبَهُ في مقتبل العمر، ولمَّا يتجاوز السابعة عشرة من عُمُرِه، قرأتُ الكتاب فسرَّني فيه حُسْنَ عَرْضِهِ لسيرة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، مع وضوحٍ في كلماته، وسهولة في عباراته، وسلاسة في أسلوبه، ما كتبه هذا الشاب يؤكِّد أن الشبابَ في الأممِ عمادٌ لنهضتها، وإذا كان الناس يقولون إن الشباب عمادُ المستقبل، فإنهم كذلك عمادٌ للحاضر، إنْ أَحسَنّا تربيتهم وتعليمهم، فهذا الأحنف بن قيس يقول: (السّؤدَدُ مع السواد) أي سواد الشَّعر، إشارةً إلى حداثة السِّن، وهذا سيدنا عبدالله بن العباس رضي الله عنه، كان عُمَرُ يُدخلُه مع أشياخِ بدر، وهو صغير السِّن، فكأنَّ بعضُهم وَجَدَ في نفسه، فقال: لِمَ تُدخِلْ هذا معنا؟ فقال عمر: إنه مَن قَدْ عَلِمْتُمْ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، وقال لهم: ما تقولون في قول الله تعالى: «إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ»؟ فقال بعضهم: أُمِرْنا أنْ نَحمد الله ونستغفرَه إذا نُصِرْنا، قال عمر: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقال ابنُ عباس: هو أجلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَعْلَمَهُ له، فقال عمر: ما أَعلمُ منها إلا ما تقولُ.
وولّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عتّابَ بنَ أُسيدٍ مكةَ وهو ابن خمس وعشرين سنة، وعقد رايةَ الجيش لأسامة بن زيد وهو ابنُ عشرين سنة، وهذا سيدُنا معاذُ بن جبل رضي الله عنه، وَلِيَ اليمنَ وهو ابنُ أقلَّ من ثلاثين سنة، وفي مجلس المأمون نظر رجلٌ إلى أبي دُلَف العجليِّ، وكان شابّاً، فقال: إنَّ همَّتَهُ تَرْمِي به وراءَ سِنِّهِ، وسوَّدَتْ قريشُ رجلاً لم يَطُرَّ شاربُه فأدخَلَتْهُ مع الكهول دارَ النّدوة.
وقد حكى التابعيُّ الجليلُ سُفيانُ بن عُيينة أنَّ وفداً قَدِمَ على عمرَ بن عبدالعزيز، قال: فاشرأبَّ منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: مهلاً يا غلام لِيَتكلَّمَ مَن هو أَسنُّ منك، فقال الغلام: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنما المرءُ بأصغريه قلبِهِ ولسانِه، فإذا مَنَحَ اللهُ العبد لساناً لافِظاً، وقلباً حافظاً، فقد اسْتَجادَ له الحِلْيَةَ، ولو كان التقدُّمُ بالسِّنِّ، لكان في هذه الأمَّةِ مَن هو أحقُّ بمجلسك منك، فقال عمر: صدقتَ، تكلَّمْ، فتكلَّم الغلام، وحين انتهى قال له عمر: عِظْنا يا غلام وأوجِزْ، قال: نعم يا أمير المؤمنين، (إنَّ أُناساً غرَّهم حِلْمُ الله عنهم، وطَوَّلَ أَمَلَهمْ حُسْنُ ثناءِ الناس عليهم، فلا يَغرَّنَّكَ حلمُ الله عنك وطولُ أَمَلِكَ، وحُسْنُ ثناء الناس عليك، فتَزِلَّ قَدَمُك) فنظرَ عمرُ في سنِّ الغلام، فإذا هو ابنُ بضعَ عشرة سنة، فأنشأ عمر يقول:
(تعلَّمْ فليس المرءُ يولدُ عالما
وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ)
(وإنَّ كبيرَ القومِ لا عِلمَ عندَهُ
صغيرٌ إذا التفَّتْ عليه المحافلُ)
وهذا محمد بن القاسم الثَّقفيُّ، قاد جيشاً عظيما، وفتح الله على يده بلاد السند، وهو ابنُ سبع عشرة سنة، قال يزيد بن الحكم:
(إِنَّ الشَّجاعَةَ وَالسَّماحةَ والنَّدَى
لِمُحمَّدِ بنِ القاسِمِ بنِ محمدِ)
(قادَ الجيوشَ لِسبعِ عَشْرَةَ حَجَّةً
يا قُرْبَ ذلك سُؤْدداً مِن مَوْلِدِ)
والأمثلة في نجابة الشباب تَخرجُ عن الحصر، فكيف تنهض أمَّةٌ أهملتْ شبابَها، وتَركَتْهم فرائس للشهوات والشبهات، وشبابنا اليوم يحملون هموم أمَّتهم، وأنا واحدٌ ممن يبوحُ له الشبابُ بهمومهم، فحَمْلُهم للهمِّ عنوانُ نجابة، فبِقدْرُ الهمومِ تكون الهممْ، إنَّ خير ما تصرف فيه الأوقات، وتُبذل فيه الأموال، هو رعاية الشباب تربيةً وتعليما وتوجيها.


http://www.alyaum.com/News/art/146837.html
الاحد 24 شعبان 1435 - 22 يونيو (حزيران) 2014

ما رواه أبو هريرة رواهُ غيرُه

عبدالرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-، بلغ من زهده في الدنيا وتعلُّقه برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه ترك التوسُّع في الدنيا وملاذِّها، واكتفَى مِن طلب الرزق بما يُشبع جَوْعَته، لئلا تَفوتَه ملازمةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي حين كان عموم الصحابة الكرام يصفقون في الأسواق، كان أبوهريرة يقول: «كنت أَلزَمُ النَّبِيَّ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- على شِبَعِ بَطني» فمن حين قدم إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- سنة سبعٍ للهجرة، كان يلازمه فيها ملازمة تامة، ولذلك حفظ كثيراً من حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وقد أجمع علماءُ الحديث، أنه أكثر الصحابة الكرام روايةً لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحفظهم له، روى عنه أكثرُ من ثمانمائة ما بين صحابيٍّ وتابعيّ، وبلغت أحاديثه ألفاً وثلاثمائة حديث، وقد دلَّسَ بعضُ المعاصرين، وزعموا أنه روى أكثرَ من خمسة آلاف حديث! والواقع، أنَّ هذا عددُ طرُق أحاديثه، فقد ذكر أبوعبدالله الحاكم أن بَقيَّ بن مَخلَد ذكرَ في مسنَده لأبي هريرة -رضي الله عنه- خمسةَ آلاف حديثٍ وثلاثمِائةٍ وأربعةً وسبعين حديثاً، ووجه التدليس هنا أن الحديث الواحدَ قد تتعدَّد طرقه، فقد يَروي سيدُنا أبو هريرة حديثاً، ثم يُروى هذا الحديث عن أبي هريرة من طرقٍ متعدِّدة، فالطريق هو السند الموصل إلى الراوي، فتعدُّد الطرق والأسانيد التي تتسلسل إلى أبي هريرة لا يعني أن كلَّ طريق حديثٌ آخر، بل قد تكون بعض طرق الحديث منقطعة، وبعضها فيه راوٍ ضعيف أو كذَّاب، فكثرة الطرق لا تعني صحَّة الحديث، وذلك حين تكون الطرق كلها ضعيفة.
وإذا رجعنا إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، لم نجد الأحاديث التي رواها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تزيد على ألفٍ وثلاثمِائة حديث، فبعض هذه الأحاديث نُقل إلينا عن أبي هريرة من طريق واحد، وبعضها من طريقين وبعضُها من خمسة طرق، ثم إن هذا العدد(1300) لم ينفرد أبو هريرة بروايته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما شاركه في روايتها عددٌ من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، وإذا جمعنا الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة، أي التي لم يروها أحدٌ غيرَه نجدُها أربعين حديثاً، فاعجب لمن يتقوَّل على هذا الصحابي الجليل، والمتأمِّل يجد أن كثرة روايته دليلٌ على صدقه؛ لأنَّ ما رواهُ من الأحاديث رواها غيرُه، قال التابعي الجليل محمد بن عُمارة: «قعدت في مجلسٍ فيه مشيخةٌ من الصحابة بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرةَ يحدّثهم عن رسول الله بالحديث، فلا يَعرفه بعضهم، فيراجِعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث كذلك، حتى فعل مراراً، فعرفتُ يومئذ أنَّ أبا هريرة أحفظ الناس»، ولذلك قال سيدنا عبدالله بن عمر لأبي هريرة: «كنتَ ألزمَنا لرسول الله وأعرفَنا بحديثه»، وإذا تساءلنا ما سرُّ هذه الحافظة، فإن الجواب يأتي من أبي هريرة -رضي الله عنه-، حين ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قائلاً: يا رسول الله إني قد سمعتُ منك حديثاً كثيراً، وأنا أخشى أن أَنْسَى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابسُطْ رداءَك، قال أبو هريرة: فبسطْتُهُ فغرفَ بيده فيه، ثم قال: ضمَّهُ فضمَمْتُهُ، فما نسيت شيئاً بعدُ».
يسيرٌ على بعض الناس أن يرمِي التُّهم على الآخرين، ويخطئ خطأً كبيراً مَن يتسرَّع بالتصديق بلا برهان، فضلاً عن أن يسأل، ففي الحديث «إنما شفاءُ العِيِّ السؤالُ» والعِيُّ هو الجهل.


الاحد 17شعبان 1435 - 15يونيو (حزيران) 2014

http://www.alyaum.com/News/art/145413.html

الكرم خُلُقٌ أَعلاهُ ألا تَلعب بالأموال أمام الفقراء

ما أعظم أن يتنافس الناس في التقليل من تكاليف الطعام والزينة في الأعراس هذه الأيام، حيث نرى كثيراً من الناس يأتون للأعراس وهمْ شَبْعَى، والكثير منهم يَفِرُّ من أكلِ اللحوم خوفاً من السِّمنة ومن الدُّهون، فما الدَّاعي لهذه المباهاة والمفاخرة في الموائد، وما فيها من أنواع الأطعمة، ألا نستحي مِن الله حين نرى الفقرَ يتفشَّى في المجتمعات الإسلامية، بل وعندنا مِن الفقراء مَن هُمْ بمسيس الحاجة إلى لُقمة طعام، كم هو عظيم ذاك الشابّ الذي يبدأ بهذه الفِعْلَة الجميلة والسُّـنَّة الحميدة، فيصدُقُ عليه قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة، فلهُ أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة) فهي حسنةٌ لاينقطعُ أجرها، وإنما يَقْدرُ على هذا العمل أحرارُ الشباب وشجعانُهم، الذين يملكون ثقةً في أنفسهم، ويملكون شجاعةً وبَسالة، ففيهم كما قيل: بَسَالَةُ نَفْسٍ إنْ أُرِيدَ بَسَالُهَا، إنهم شبابٌ يعلمون أنَّ مِن زملائهم مَن لا يَقدرُ على أنْ يبدأ بهذا العمل النَّبيل -ضَعْفاً منه، لخشيتِه أن يُقال عنه فقير أو بخيل- فآثروا أن يكونوا هم السابقون، ليقتَدي بهم المتخلِّفون، وما دَرَوْا أنَّ البخيل هو مَن لا يُظهِرُ المالَ إلا ليلةً في العمر، يبذخ فيها ليتباهى أمام الناس، ثم لا تجدُ له استضافةً لضيف، ولا تبرعاً في مواطن الكرَم، وهي مواضع التبرُّعات للمحتاجين، فالكرم خُلُقٌ أعلاه ألا تلعب بالأموال وتَرمي الأطعمة أمام المعْوَزين -فهذا تلاعبٌ لا يقع مِن كريمٍ أبداً- ثم تبحث عن جمعيةٍ لتوزع بقايا الأطعمة على الفقراء، زاعماً أنك لن ترمي شيئاً من الطعام! هلا دفعت لهم مالاً أو طعاما ابتداءً، كرماً منك، أليس هذا أوْلَى من أن ترمي إليهم البقايا، فتتكرَّم عليهم بالفُتات! كم نحن بحاجةٍ إلى أمَّهاتٍ متعلِّماتٍ وعاقلات، يدفعنَ أولادهنَّ إلى معاليَ الأمور، أمَّهات يُغلِّبْنَ العقلَ على حظوظ النفس، كم نحن بحاجةٍ إلى آباء لا يرضى الواحدُ منهم أن يكون قوَّالاً، غايةُ أمرِه أنْ يملأ المجالس بالحديث عن التبذير والإسراف في الأعراس بلسانه! فليتَه ساعَد على نشر ثقافةٍ حسنة في المجتمع، فنحن بحاجةٍ إلى أن تكون عاداتُنا متوافقةً مع ديننا، وأنا ها هنا أعرضُ أمراً قد يُعينُ على تحسين صورة الزواج في بلادنا، ألا وهو أن الأمر في وقت الزواج واسعٌ جداً، فالأصل أن يكون حفل الزواج نهاراً، فما الحرج في أن يجعلَ الشابُّ زواجَه صبيحة ليلة الدخول، بل إن ذلك هو الأَفضل، فالسُّنَّةُ في وليمة الزواج أن تكون بعد الدخول، وأما أنْ تكون الوليمة قبلَ الدخول فهو وإنْ كان مباحا غير أنه ليس الأفضل، ثمَّ إنَّ للزوج إنْ شاءَ، أن يجعل الوليمة صباحاً أو بعد الظهر أو بعد العصر، ولهُ أن يجعلها بعد المغرب فكلُّ هذه الأوقات جائزةٌ ولا كراهة فيها، وقد كان الناس إلى وقتٍ قريب يقدِّمون طعام العَشاء بعد المغرب مباشرة، بحيث ينتهي حفل الزواج بأذان العِشاء، بخلاف جَعْل الوليمة بعد العِشاء، فلم يعرفه الناس إلا في هذه الأيام، لأنه وقتُ كراهةٍ، وقد قال الصحابيُّ الجليل أبو بَرزةَ الأَسلَميُّ بشأن العشاء: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَنهى عن النَّوم قبلها، والحديثِ بعدها) والملاحظ أنَّ الحفل بعد العشاء قد يجرُّ إلى التأخير الذي يصل غالباً إلى منتصف الليل كما هو حاصل، فتقع المشقَّة على الناس، ويضطرُّ الكثير منهم إلى السهر، وما أضرَّهُ على الجسم وأفسده للعقل، أسأل الله أنْ يردَّنا للصواب، وألا يعاقبنا على ما فرَطَ منَّا.


الإثنين 11 شعبان 1435 - 9 يونيو (حزيران) 2014

http://www.alyaum.com/News/art/144017.html